نافذة للمحرر .. أدباء في الذاكرة … زكي قنصل

كنت في المرحلة الإعدادية يوم عاد أحد أقرباء أمي من الأرجنتين بعد اغتراب دام أكثر من خمسين عاما و كنا نتحلق حوله لنستمع إلى روايته الشائعة عن بلد بعيد لا نعرف عنه شيئاً هو الأرجنتين و لم يكن مشروب المتة منتشراً يوم ذاك كما هو اليوم وأذكر أنه حدثنا عن شقيقين من يبرود يقيمان في مدينة بونس آيرس – عاصمة الأرجنتين و ينظمان الشعر العربي هما : الياس و زكي قنصل فكانت المرة الأولى التي سمعت فيها اسم الشاعر الياس قنصل و الشاعر زكي قنصل و قد حدثنا قريب أمي المغترب – خوري لويس – أن زكي قنصل قد حط رحاله في الأرجنتين عام تسعة و عشرين من القرن الماضي و كان ابن عشر سنوات فسار على طريق شقيقه الياس الذي سبقه بخمس سنوات فعمل في – الكشة – و حرر في الصحف و تاجر بالخردة و هو صاحب متجر في – بونس آيرس – و كان يتقن الاسبانية إلى جانب العربية التي أخذ ينظم بكلماتها شعراً فيه الشوق العارم و الحنين الفياض :
هاجنا الشوق للشآم فكبر ثم كبر إذا ذكرت الشاما
نحن من روضها حساسين ذرتها رياح النوى فهامت يتامى
هي نجوى الفؤاد إن سهد الجفن و رؤيا الخيال إن هو ناما
و قد روى لنا ذلك المغترب أن زكي قنصل تطوع لخدمة الجالية العربية في الأرجنتين فكان الناطق بشكواها و أمانيها فما من مناسبة إلا ووظفها لطرح موضوع اجتماعي ينشر من خلاله الحكم و من ذلك قوله في الاحتفاء بالسفير
الشاعر – عمر أبو ريشة
أنا لست من يغرى بشعوذة و ثنية يدعونها حسبا
من لم يكن في نفسه شرف هيهات يجدي أن يهزّأبا
ليس البطولة أن تكون لظى إن البطولة إن تكون صبا
و في المرحلة الثانوية تعرفنا إلى قصيدته في نكبة فلسطين و منها
لهفي على القدس انطوت أعلامه و كبت بأشبال النضال خيول
و مضت الايام وزار زكي قنصل وطنه سورية و حل ضيفاً على حمص و أخبرني الصديق الأديب الراحل ممدوح السكاف – طيب الله ثراه – بأن لقاء سيجمعنا معه في دوار المهندسين و لكن اللقاء لم يتم و غادر الشاعر حمص على عجل كما غادر وطنه سورية للمرة الاخيرة و في تلك الفترة نشر الدكتور شاكر مصطفى مقاله : هل هناك أدب مهجري ؟ الذي واجه انتقادات كثيرة و رد عليه أكثر من أديب و في غمرة هذا الاخذ و الرد غادر الشاعر زكي قنصل هذه الديار الفانية و أقيم له حفل تأبين لائق في مسقط رأسه يبرود و كان لشاعر يبرود الراحل خالد محي الدين البرادعي دور كبير فيه و حضره أدباء كثيرون من أنحاء قطرنا العربي السوري و كان تعبيراً عن مكانة هذا الشاعر المهجري بين شعراء العربية في الوطن و المهجر
د. غسان لافي طعمة