استطاع الشعراء التقاط اللحظة الفارقة بعد انتصارات حرب تشرين التحريرية وحولوا هذا الانتصار إلى شعر مصفى قد يكون مباشرا أحيانا وقد يغوص بعيدا في عمق الجراح , وأوغلوا في مدى النصر والحماسة و الألم ,لقد كان الشعر نبض الحياة ولون الناس ,فترسخت إنجازاتهم الشعرية في وجدان المواطن السوري والعربي ,فالشعر كان وسيبقى أكثر الفنون الإبداعية حساسية وقدرة على التعبير عن الهموم والآمال ,خاصة الوطن هو البوصلة و اللون والهوية والنبض , هو المصير ,لذلك كتب الشعراء بالدم والموقف ومازالوا في خندق واحد مع جيشنا الأبي المغوار , بعض ما تم انجازه جدير بالاحتفاء والاهتمام , وبعضه الآخر كلام منظوم بسيط من حيث القيمة الفنية, لكنه مضمخ بالحماسة والفرح خاصة وأن نكسة حزيران كانت قد صبغت الوجدان العربي بعامة والحالة العربية بالانهزامية والقنوط فجاء تشرين النصر ليعيد للأمة العربية قدرتها على المبادرة وإدارة دفة المعركة لصالح أصحاب الأرض والحق .
تشرين و نزار قباني
يقول نزار قباني :«قبل السَّادس من تِشرين الأول 1973 كانت صورَتِي مُشَوَّشَةً وغائمةً وقبيحة، كانت عينايَ مغارتَيْنِ تُعَشِّشُ فيهما الوطاويطُ والعناكبُ، وكان فمي خليجاً مليئاً بحُطامِ المراكبِ الغارقة، وكانت عَلامتي الفارقة المسجَّلَة في جواز سفري هي أنني أحمل على جبيني ندبة عميقة اسمها حزيران، أما عمري في جواز سفري القديم.. فقد كان مشطوباً لأن العالم كان يعتبرني بلا عمر.. واليوم (6 تشرين الأول 1973)، يبدأ عمري.. واليوم فقط ذهبت إلى مديرية الأحوال المدنية، وأريتهم صك ولادتي التي حدثت في مستشفى عسكري نقال.. يتحرك مع المقاتلين في سيناء والجولان، فاعتبروني طفلاً شرعياً، وسجلوني في دفتر مواليد الوطن، لا تستغربوا كلامي، فأنا ولدت تحت الطوفان، والجسور العائمة التي علقها مهندسو الجيش المصري على كتف الضفة الشرقية، وخرجت من أسنان المجنزرات السورية التي كانت تفترش الصخور في مرتفعات الجولان «
هذا ما قاله الشاعر الكبير نزار قباني،عشية حرب تشرين التحريرية ,حيث الصدق والانفعال العاطفي ينضح من بين حروفه شعراً ونثراً.
وجميعنا يستذكر قصيدة نزار قباني ترصيع بالذهب على سيف دمشقي يقول فيها :
جاء تشرين يا حبيبة عمري ****** أحسن الوقت للهوى تشرينُ
ولنا موعدٌ على ( جبل الشيخ ) ****** كم الثلج دافئٌ .. وحنونُ
سنواتٌ سبعٌ من الحزن مرت ****** ماتَ فيها الصفصافُ والزيتونُ
سنواتٌ فيها استقلتُ من الحب ****** وجفت على شفاهي اللحونُ
سنواتٌ سبعُ بها اغتالَنا اليأسُ ****** وعلْمُ الكلام .. واليانسونُ
فانقسمنا قبائلاً وشعوباً ****** واستبيحَ الحمى وضاع العرينُ
كيف أهواك حينَ حول سريري ******يتمشّى اليهودُ والطاعونُ ؟
شام.. يا شام.. يا أميرة حبي ****** كيف ينسى غرامـه المجنون؟
أوقدي النارَ فالحديث طويلُ ****** وطويلُ لمن نحب الحنين ُ
شمس غرناطةَ أطلت علينا ****** بعد يأس وزغردت ميسلون
جاء تشرين.. إن وجهك أحلى ****** بكثير… ما سـره تشـرينُ ؟
كيف صارت سنابلُ القمح أعلى ****** كيف صارت عيناك بيت السنونو ؟
إركبي الشمس يا دمشق حصاناً ****** ولك الله … حـافظ و أميـنُ
افتح جناحيك يا تشرين
ألهمت حرب تشرين التحريرية الشعراء شعراً قوياً صارماً ,وقصائد عصماء ,وألهبت أقلامهم شعر الفخر والحماسة احتفاء بنصر تشرين وجميعنا نستذكر الشاعر سليمان العيسى:
ناداهم البرق فاجتازوه وانهمروا ….عند الشهيد تلاقى الله والبشر
ناداهم الموت فاختاروه أغنية …. خضراء مامسها عود ولاوتر
تقدس المطر المجدول صاعقة …. وزنبقا ؛ ياشموخ الأرض يامطر
ريش على صهوات الرّيح فجّرها…. بالمعجزات وريش راح ينتظر
تعانق النسر والتاريخ ملحمة ……. وكبّرالعشب والينبوع والحجر
تعانق الفا رس المقدور من آلم ….. والتل ّ؛ فالعاشقان التلّ والشّرر
وأينعت بالدم الجولان وانضفرت ….سيناء ؛ ياروعة الاكليل ينضفر
سرّالصحارى وسلها كلما يبست …. من أين يبنع فيها الظلّ والشجر ؟
افتح جناحيك ياتشرين ؛ مدّهما ….. على الرياح وخلّ الأرض يستعر
تشرين لم ينته الشوط الذي بدأت ….. خيولك البيض .. في الميدان من نفروا
في خندق النار مازلنا؛ وتعرفنا …… خنادق النار عن قرب و تذّكر
لأننا – وجذور الشمس في يدنا – ….. نقاتل الحلك الباغي سننتصر
وفي قصيدة أخرى يقول الشاعر سليمان العيسى :
تعبت والسيف لم يركع ومزقني /ليلي وأرضي صلاة السيف لم تزل
قل للتراب عرفنا كيف نترعها / كأس الشهادة فاسق الأرض واغتسل
تشرين ما زال في الميدان يا وطني/بين المحيطين فاسحق غيمة الشلل
وانزل هنا مرة أخرى على بردى /وبالشهيد بعطر الوحدة اكتحل
انزل هنا مرة أخرى أتسمعني /ما زال عرسك معقوداً على الجبل.
حرب تشرين التي سطر من خلالها جيشنا الباسل أروع ملامح البطولة والفداء وأعادت للامة العربية عزتها وكرامتها وأثبتت للقاصي والداني انه عندما تتوفر الإرادة والتصميم تتحقق المعجزات بتحرير الأرض وتحرير الإرادة و إعادة الكرامة ومحو آثار نكسة حزيران .
تشرين والشعراء الحمامصة
ولننتقل إلى الشعراء الحمامصة المعاصرين فقد كتب الكثيرون منهم عن انتصارات تشرين فقال العميد معروف إبراهيم ناصر في قصيدة بعنوان تشرين الرمز من ديوان ضفائر العروس ص 76:تشرين رمز للبطولة والفداء /تشرين رمز للرجولة والعطاء /فيه اتى التصحيح كان مباركاً/ومسيرة لجروحنا كانت دواء/وبه انتصار الشعب كان مؤزراً/والشمس قد طلعت لتسبح في الفضاء/هذي بلادي تزدهي بجمالها /تبدو لكل الكون في أحلى بهاء.
نسغ تشارين
وكتب الشاعر حكمت الجنيدي قصيدة بعنوان أنشودة الحب ,تحدث فيها عن النصر التشريني الذي أعطى للشام بهاءها وعزتها فقال :من قاسيون وأعليها مجلجلة /مجد الشآم لسيف الشام ينتسب/صرف التشارين نسغ الخلد منبعه / للظامئين فطوبى للألى شربوا /نسغ التشارين أهدى الشام وجنتها /فأيقن النحل أن الراح ينسكب / أرض التشارين ماست قبل موعدها / والعمر من فضة يصبو لها الذهب /هي الشآم ربوع المجد ,خالدة /إذ طالما حفّها الفرسان والقضب.طبعا القصيدة مأخوذة من ديوان الشاعر حكمت الجنيدي ,المعنون بـ «في محراب القيامة»ص 47.
ونبقى مع الشعراء المعاصرين لنطوف في ديوان أحمد أسعد الحارة المعنون ب «صدى الميماس «حيث يقول في ص 63من قصيدة بعنوان :المدرسة المقلاع فيقول: هذي أبابيل الحمى انهمرت / تتنكب المقلاع تقتحم /ليس السلاح بآلة دميت إن السلاح عقيدة ودم/بوركت يا تشرين مدرسة /وتباركت في عيدك الكلم.
ميمونة العلي
المزيد...