حرفة النحاسيات في حمص  مهددة بالاندثار 

صناعة النحاس أو “النّحاسة” هي نوع من الصناعات المعدنية التقليدية، وتعدّ من الصناعات القديمة في سوريا، وتعود إلى الألف الثانية قبل الميلاد، واحتفظ صنّاعها بتقاليدها وقاموا بتحديث أساليبها لتتلاءم مع بعض متطلبات الحياة، وتعتبر جزءاً من الذاكرة الاجتماعية والثقافية.

أبدع النحّاسون السوريون في هذه الصناعة ولا تزال منتجاتها من أهم معالم سوريا.

في البداية كان يتم تصنيع النحاسيات من أجل تلبية الاحتياجات المنزلية، ومن ثم تطورت الحرفة لتنتج تحفاً فنية رائعة الجمال لكن بسبب الحصار والعقوبات الدولية التي فُرضت على سوريا خلال سنوات الحرب وارتفاع أسعار المواد الأولية وتدمير جزء كبير من الأسواق ووجود البدائل عن النحاس كلها عوامل باتت تحد من عودة الألق لهذه الحرفة التراثية الجميلة.

عائلة مندو تحاول الحفاظ على المهنة

كان سوق النحّاسين يضجّ بأصوات الطرق على النحاس لتصنيع وتشكيل القطع النحاسية ويغص بالمرتادين للتزود بحاجياتهم وخاصة أدوات المطبخ, اليوم بقي من الصنّاع الأساسيين ماجد مندو وأولاد عمومته يحاولون الحفاظ على مهنة دثرتها الصناعة الحديثة.

مراسل العروبة التقى الحرفي ماجد مندو في سوق النحّاسين للحديث عن النحاسة وتاريخ الصنعة وشجونها وواقعها الحالي وهو من الحرفيين النحّاسين القديمين في حمص فأكد أنه أتقن مهنة تصنيع وبيع الأواني النحاسية أبّاً عن جد وكان عدد الحرفيين  منذ 30 عاماً حوالي 200 نحّاس في حمص وكانوا يصنعون آلاف الأواني النحاسية في العام الواحد أما في الوقت الحالي من النادر جداً الطلب عليها ويقتصر العمل على بعض الإصلاحات  بسبب رغبة الأكثرية من الناس باستعمال الألمنيوم والستانلس بدل النحاس ولعدم وجود يد خبيرة جديدة لعدم التوجه لتعلمها من قبل أبناء هذا الجيل بسبب قلة التصريف وبالتالي ضعف الربح مقارنة بمهن أخرى.

وقال: ورثنا المصلحة عن الأجداد وأتقنّاها بشكل مميز رغم صعوبة العمل الذي يقتصر حالياً على التلميع والتنكيل واللحام إضافة إلى تصنيع بعض الأواني النحاسية حسب طلب الزبون كوني الوحيد حالياً أقوم بالتصنيع أما الحرفيين الآخرين يقتصر عملهم على البيع والشراء.

حرفة موسمية

بدوره الحرفي عمار مندو أكد أنه ورث المهنة عن جده وأتقن العمل بها والمحل الذي عمل به جده ووالده منذ عام 1860 لاتزال تزينه الأواني والتحف النحّاسية البرّاقة، موضحاً أنها مهنة موسمية تعتمد بتصريف المنتج على السياح بشكل أساسي وأصبح من يمتهن هذه المهنة عددهم قليل جداً في حمص ولا يتجاوز عدد المحال أربعة محال. وتحدث أبو ياسر عن السنوات التي سبقت بدء الثورة عندما كان سوق النحاسين في أسواق حمص الأثرية مدخله مضاء بفوانيس نحاسية ملونة وتحف جميلة نادرة وكان يتجاوز  عدد المحال 40 محلاً  في ذلك الوقت، أما الآن المهنة إلى زوال ولا يوجد من يعمل بها إلا حرفيون قلائل جداً عددهم لا يتجاوز الأربعة لأسباب عديدة أولها صعوبة طبيعة العمل وقلة تصريف المنتج وارتفاع الأسعار ووجود  بدائل عن النحاسيات للشراء والاستعاضة عن النحاس بالخشب أو الستانلس ستيل أوالألمنيوم.

للنحاسيات رونقها الخاص

وأضاف: مازلنا كعائلة مندو محافظين نوعاً ما على المصلحة كونها مصلحة الآباء والأجداد ولنا باع طويل بها، وأكد أن النحاسيات لها جمالها ورونقها الخاص ويوجد عدد من الناس لا يزال يرغب باقتناء النحاسيات   كأدوات للاستخدام أو للزينة كالتحف الشرقية مثل الصواني والمناقل للقعدة العربية والسيوف والمكاحل والكؤوس والفناجين ودلات القهوة وغيرها.

وعن المواد الأولية قال مندو: يتم تأمينها من خلال التصنيع المحلي أو استيرادها بنخب محددة لأن جمالية القطعة النحاسية في لونها البراق ولمعتها.

ويصنف النحاس من حيث النوع إلى الأصفر والأحمر   وكل واحد منها يدخل في تصنيع محدد فالنحاس الأصفر يدخل في صناعة دلات القهوة والكاسات والأباريق وغيره أما النحاس الأحمر فيدخل في تصنيع الحلل بأحجام متعددة ويوجد حالياً في المحل حوالي 50 نوعاً من الصناعات النحاسية المختلفة منها مناقل – سيوف – صواني – تعاليق جدارية – دلات قهوة – فناجين – أباريق – ومعظم مايتعلق بالمهنة الشرقية.

وعن أسعار القطع أكد  مندو أنها معقولة ومناسبة نوعاً ما مقارنة مع أسعار الأواني المصنوعة من مواد أخرى ولكن يبقى للنحاس رونقه وجماله الخاص واليوم الإقبال على الشراء ضعيف لأسباب عديدة لذلك انتقل بعض من يمتهن المصلحة إلى ممارسة مهن وحرف أخرى تدر عليهم أرباحاً أكثر ولها رواج أكبر في الأسواق.

الأوكسجين بدل الفحم الحجري

عبد الحكيم مندو نحّاس أبّاً عن جد قال: سابقاً كنا نقوم بصناعة وصيانة النحاسيات حالياً أكتفى بالشراء والبيع لجميع أنواع النحاسيات والأنتيكا. وأردف قائلاً: المصحلة انقرضت بمعنى الكلمة وهي مصلحة متعبة وشاقة وتتطلب جهداً عضلياً كبيراً, فصناعة القطعة الواحدة تأخذ وقتاً وجهداً كبيرين . وسابقاً كان العمل يعتمد على الفحم الحجري في العمل وهو مجهد جداً وبسبب  فقدان الفحم تم اللجوء إلى اللحام عن طريق الأوكسجين.

تزويد الشارع بالكهرباء مطلب مهم

يوجد مطلب لعدد من الحرفيين والبالغ عددهم حوالي 15 حرفياً تقريباً  في شارع سوق النحاسين وهذا المطلب هو تخديم الشارع بالكهرباء مع العلم أن كل محال السوق الأثري مزودة بالكهرباء على مدار 24 ساعة إلا الشارع المذكور وبحسب قولهم فهم يبقون بانتظار  ساعات وصل الكهرباء بفارغ الصبر للعمل وتم التواصل عدة مرات مع الجهات المعنية وتقديم العديد من الشكاوى ولكن حتى تاريخه لا يوجد أي رد أو إيضاح.

أخيراً

حرفة النحاسة يعشقها العاملون بها وحافظوا عليها خوفا من الانقراض كغيرها, بل استخدموا إبداعهم للحفاظ عليها وانتقلت من صناعة الأواني إلى التحف وأثاث المنزل والديكورات فهل ستشهد دعماً للحفاظ عليها وإعادة ألقها؟

العروبة – محمد بلول

المزيد...
آخر الأخبار