لامس بصري وسمعي أول عرض مسرحي في مطلع ستينيات القرن الماضي
فقد قام بعض أبناء قريتي – القصير – بتقديم عرض مسرحي في نادي اليرموك الرياضي الذي كان يقع مقابل دارنا ، وكان العرض لمسرحية وليم شكسبير الشهيرة –هملت-ومازالت صرخة-عبدو السوقي –تتردد في مسمعي : أنا هملت الدنمركي .!!
ولكن المعرفة الحقيقية للعرض المسرحي كانت أواخر ستينيات القرن الماضي وفي دمشق التي حللنا فيها طلاباً جامعيين ومعلمين ، وأعترف أن الفضل الأكبر والأوحد في معرفتي العرض المسرحي الحقيقي الذي أغراني بحضوره أكثر من مرة كان للأديب السوري الشاب الرائع : سعد الله ونوس .
الذي قدم مسرحيته –حفلة سمر من أجل 5 حزيران –التي عدها النقاد يومها فتحاً لعهد جديد في المسرح السوري ، قدمت للمسرح العربي المعاصر شكلاً جديداً عليه ، هو شكل المسرحية المرتجلة ، ومازلت أذكر كيف كان الممثلون يجلسون بين الجمهور وكيف انطلقت المسرحية من الصالة .
وتلت هذه المسرحية مسرحية مغامرة رأس المملوك جابر وهي أيضاً سعت إلى كسر الايهام ومزج الممثل بالمتفرج في حدث مسرحي واحد .
وتلتها مسرحية –سهرة مع أبي خليل القباني –وكانت سهرة رائعة سعى فيها سعد الله ونوس إلى عرض الظروف السياسية والاجتماعية التي ولد فيها مسرح القباني .
وقدم فيها إحدى مسرحياته بالفعل داخل إطار من التعليق الذي يأخذ شكل الارتجال دون أن يكون مرتجلاً.
وعرفت يومها أن سعد الله ونوس كتب قبل هذه المسرحيات الثلاث خمس مسرحيات قصيرة هي : لعبة الدبابيس ، الجراد ، المقهى الزجاجي ، جثة على الرصيف ، الفيل ياملك الزمان . كما كتب مسرحية طويلة من جزأين هما
حكاية جوقة التماثيل ، والرسول المجهول في مأتم انتيجونا ، وقد كتب النقاد عنها انها اعمال تتسم بالتجريد والإغراق في استخدام الرموز ، والاعتماد على الأشكال المسرحية الغربية التي كان ونوس قد تعرف عليها إبان معاينته للمسرح الغربي في باريس .
وفي عام ثمانية وسبعين أخرج سعد الله ونوس مسرحيته الفاتنة –الملك هو الملك –وفيها استخدم بلباقة فنية كبيرة إحدى حكايات ألف ليلة وليلة ، وقد عدها الدكتور علي الراعي أعذب ارتشافة ارتشفها كاتب مسرحي عربي من إرث ألف ليلة وليلة .
وهي أحسن ماقدم لتطويع تراث ألف ليلة وليلة وانتشاله من جمود الماضي الى حيوية الحاضر وسرعة اندفاقه ثم توظيفه من بعد لخدمة رسالة سياسية .
وبعد هذه المسرحية بسنوات ألم به مرض عضال ولكنه كان محكوماً بالأمل ولذلك قاوم المرض بالابداع فكتب مسرحياته ومنها : منمنمات تاريخية التي قدمتها الفنانة نضال الأشقر على مسرح المدينة في بيروت ، ومسرحية : طقوس الاشارات والتحولات ، ومسرحية :ملحمة الاغتصاب ..
وأذكر أنني التقيته مرة واحدة في منزل أستاذي الأديب الناقد حنا عبود في حي الملجأ في الحميدية ، وكنت مبهوراً بشخصه وإبداعه ، كما ذهبت في ذكرى رحيله الى قريته –حصين البحر –وكنت واحداً من آلاف على رأسهم الفنان المبدع مارسيل خليفة الذي عزف على العود وغنى إحياء لذكراه !!
د. غسان لافي طعمة
المزيد...