يعتبر التلاميذ «المعلم» المثل الأعلى لهم،وخاصة في المرحلة الابتدائية , فهو بالنسبة إليهم لا يخطئ أبداً فيكون كلام المعلم أو المعلمة مسلما به، فإن قال يوما شيئا إيجابيا للطالب تمسك به، وعاد إلى بيته متغنيا به ومدافعا عنه، لسبب واحد بسيط وهو «أن المعلم قال ذلك». من هنا تأتي ضرورة انتقاء المعلم لألفاظه وتصرفاته مع الطلاب، فمن المعلمين والمعلمات من يلجأ إلى الإساءة اللفظية مع الطفل وتلقيبه بألقاب سيئة كوسيلة للسيطرة على الطالب وعلى الحصة الدراسية، متناسيا تأثير كلمته عليه , وعلى باقي الطلاب، وانعكاس ذلك على صورته الشخصية أمام طلابه. ومن هنا من الواجب التنبه إلى خطورة وتأثير تصرفات المعلم وكلامه على الطالب، وحالته النفسية، ودافعيته للتعلم والأهم من ذلك كله بناء شخصيته.
الخدش النفسي
يقوم بعض المعلمين بتلقيب الطالب بألقاب قبيحة، فيلقب هذا بـ «الكاذب»، وذلك بـ»البطيء»، و»قليل الأدب» وقد يتلفظ المعلم بهذا اللقب للطالب بشكل صريح، أو قد يلمح لآخر بأن فيه عيبا معينا. وغالبا ما يسيء المعلم لفظيا إلى الطالب المسيطر الذي يعتبر «زعيم المشاغبين»، متناسياً أثر ذلك الخدش النفسي عليه وعلى باقي زملائه، حتى وإن لم يظهر الطالب ذلك وتظاهر بعدم الاهتمام وبقوة شخصيته. ولكن لماذا يلجأ المعلم للألقاب؟ ..
قد يلجأ المعلم إلى تلقيب الطفل بمثل هذه الألقاب لأنه يعاني من ضغط أو توتر معين, أو لأنه غاضب ولا يستطيع إدارة غضبه فيسمح لنفسه التنفيس عن غضبه فيمن حوله، و قد يكون ذلك أسهل وأسرع الطرق لضبط وإدارة سلوك الطلاب.
حول دور االمعلم ووعيه في بناء شخصية الطفل، تحدثت المرشدة النفسية ريم العلي « , وأضافت : تلعب البيئة التي نشأ بها المعلم دورا كبيرا في شخصيته ومدى قدرته على إدارة الأعصاب وسهولة التعامل مع الإساءة اللفظية.
وتكمن خطورة الألقاب السلبية في أن الطالب يصدق أنه ضعيف ويحمل الصفة السلبية ما يمنعه من تطوير ذاته ويضعف إيمانه بقدراته وثقته بنفسه…
صحيح أن الطالب المطيع والذي يسمع كلام من هو أكبر سنا منه (الأهل أو المعلم ) يسهل الكثير من الأمور على الكبار، ولكن ماذا سيحدث مع هذا الطفل عندما يكبر؟ هل سيستطيع أن يفكر لنفسه، ويتخذ قراراته بنفسه؟ أم هل سيسهل إدارته من قبل غيره من الأقران وسيصبح تابعا سهلا لأي أو شخصية قوية ؟ إن الاستقلالية وقوة الشخصية أمر مهم جدا يجب أن نتنبه له عندما نتكلم في تربية الطفل وبناء شخصيته. فبدلا من أن نعتبر قوة الشخصية وتميزها عيبا وصعوبة يجب التخلص منها، حتى تسهل إدارة هؤلاء الطلاب وإملاء ما نريده عليهم دون مقاومة أو جهد يذكر، يجب أن نفكر في كيفية صقل شخصيتهم المميزة، وتدريبها على الاستفادة من نقاط قوتها إيجابيا لما فيه مصلحتهم ومصلحة من حولهم…وهذا يتطلب التنبه إلى الحاجة إلى تبني أساليب جديدة أكثر فعالية في مجالات التربية والتعليم، مختلفة عن الأسلوب الموحد في التعليم الذي يتطلب من كل الطلاب أن يكبروا على شاكلة واحدة، تستقصي أي شخصية متفردة لا تتبع النموذج الموحد المستحب سواء بالألقاب أو التصنيفات العامة.
ومن آثار إساءة المعلم للطالب لفظيا وتلقيبه بألقاب سيئة توقف حركته وتخفيف نشاطه، وانزوائه ، وتفقده الرغبة في التواصل مع الآخرين داخل وخارج المدرسة و تدني تحصيله الأكاديمي، وخصوصاً في مادة المعلم المسيء. إضافة لفقد الطالب ثقته بنفسه وبالناس لأن المعلم الذي يعتبره أعظم الشخصيات في نظره أخذ انطباعا سيئا عنه.
سلاح ذو حدين
إن الألقاب هي سلاح ذو الحدين، حتى المبالغة في الألقاب الجيدة منها، لقب «الأول على الصف» مثلا هو لقب يتحجر الطالب في داخله , يقيده فيصبح غير قادر على التعايش بدونه،كما أن هذه الألقاب قد تضعف من جرأته ومشاركته، خوفا من اهتزاز صورته أمام معلمه وأقرانه إن هو أخطأ. فذلك يحرمه فرصة التعلم من الخطأ. إضافة إلى ما سيزرعه من ضغائن بين الأقران، بسبب الغيرة المترتبة فيما بينهم، ما يؤثر على علاقات الطفل الاجتماعية.
بقي أن نقول
تعتبر مهنة التعليم من أسمى وأصعب المهن، فالمعلم هو المسؤول عن التعامل مع عدد كبير من الأطفال من شتى الخلفيات الاجتماعية المختلفة، وعليه أن يعلمهم بأساليب متنوعة تناسب كل فرد منهم، وتطبيق الخطة الدراسية المطلوبة من قبل الإدارة، وأن يربيهم على الأخلاق الحميدة. وفوق كل ذلك على المعلم أن يكون القدوة الحسنة والمثل الأعلى دائما، كل هذا يشكل ضغوطاً نفسية على المعلم، الأمر الذي يدفعه إلى «التفشش» بالأطفال بعدة أشكال، مثل الإساءة اللفظية، وهذا ما نريد الابتعاد عنه نهائيا.