استشرى الفساد في بعض مؤسسات الدولة ، وأصبح تداول خبر اختلاس أو الرشاوى أمراً يكاد يحدث بشكل يومي وهذا ما يحتاج لعمل جاد ودؤوب من كافة الأجهزة الرقابية لمتابعة ملفات الفساد التي تبدو كبيرة جداً في بعض المفاصل الهامة وخاصة في المؤسسات التي لها علاقة بتقديم الخدمات للمواطنين ، ومؤسسات أخرى وتبدو أنها على درجة كبيرة من الأهمية ، حيث كشفت بعض وسائل الإعلام في الفترة الأخيرة أنباء عن فساد واختلاس بأرقام تبدو للوهلة الأولى مذهلة وغير واقعية لأن أرقام المبالغ المختلسة التي تم الحديث عنها كبيرة جداً في ظل تصريح لبعض الجهات المعنية مبالغ بها . ولعل الشيء المذهل أن يتم الحديث مثلاً عن اختلاس وزير التربية السابق مبلغ 350 مليار ليرة سورية أي بما يعادل 540 مليون دولار، والسؤال هنا ترى ما هي ميزانية وزارة التربية إذا كان الوزيراختلس هذا الرقم الكبير وهل يعقل أن يتم اختلاس مثل هذا الرقم ولا يتم كشفه إلا بعد التعديل الوزاري ، وهل كان هذا الاختلاس سيستمر فيما لو استمر الوزير في منصبه ، ولا تتوقف المسألة عند وزارة التربية بل نراها موجودة في بعض المفاصل الأخرى، حيث كشفت بعض وسائل الإعلام أيضاً عن تورط إحدى الشخصيات الكبيرة في مكافحة المخدرات بالمتاجرة بها ، حيث عمد إلى إبدال المواد المخدرة المصادرة بمواد أخرى لا تحمل شبهة جنائية كما تم الكشف عن تورط عدد كبير بترويج المخدرات واتهام عدد منهم بتلقي رشاوى مالية مقابل التغطية على زراعة المخدرات دون تحديد أماكن زراعتها..
أنباء الفساد كثيرة وهي ترسم إشارات استفهام كبيرة منها ، هل يمكن لمن هو مؤتمن على مكافحة المخدرات أن يتاجر بالمخدرات؟؟ وهل يمكن مثلاً أن يتم الكشف عن تورط موظفين في مصفاة حمص بالمتاجرة بالبنزين والمازوت؟؟ حيث تشير الأنباء عن تورط ثلاثة موظفين في مصفاة حمص بسرقة المازوت والبنزين من داخل المصفاة وبيعه إلى القرى المحيطة من خلال مجموعة من الأشخاص مع أن الإشاعات التي انطلقت منذ فترة تشير إلى تورط أعداد كبيرة تتجاوز المائة من موظفي المصفاة بتهم الفساد والاختلاس . ولا ندري إذ ربما تكشف الأيام القادمة عن أخبار أخرى تحمل أشياء ربما تقدم بعض الوقائع والحقائق للرأي العام الذي بات يتلقى أنباء الفساد في الكثير من المواقع والمؤسسات العامة التي أصبحت خلال الفترة الماضية مرتعاً خصباً للسرقة والنهب . ولا يقتصر الأمر على تلك الأرقام الكبيرة التي نسمعها في بعض الأحيان عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام ، إذ إن هناك عمليات رشوة تحصل في بعض مؤسسات القطاع العام وفي وضح النهار ولعل أهمها ما يجري في المؤسسات الخدمية والتي لها علاقة بالمواطن إذ إن أي معاملة لا يتم انجازها إلا بالدفع من تحت الطاولة أو من فوقها وهذا شيء أصبح ربما يحدث بشكل عادي ولا أحد يستحي أو يخجل من هذا الأمر والمواطن هو الذي يدفع ثمن كل ذلك الفساد الذي يجري في وضح النهار، ولعل أوضح مثال هو ما تم كشفه مؤخراً وبشكل غير مقصود حين كان وزير الداخلية بجولة مفاجئة على إحدى الدوائر في إحدى المحافظات السورية حيث ضبط موظفاً يقوم باختلاس أموال إضافية على إحدى المعاملات حيث أعطى الوزير تعليماته بمعاقبة الموظف وإحالته إلى القضاء.
للأسف أصبح الاختلاس عادة عند بعض الموظفين وأصبحت الرشاوى شيئاً روتينياً يطلبها الموظف بشكل علني معتبراً أن هذا حق مكتسب له في الوقت الذي لا يمكن للمواطن أن يشتكي لأنه يريد أن ينجز معاملته حتى لو دفع لإنجازها مبلغاً ليس من حق الموظف .
محاربة الفساد ليست عملية صعبة لكنها تحتاج لإرادة فقط ، تحتاج لتكاتف جميع الجهات المسؤولة الرقابية والمؤتمنة على هذا الوطن ، ويمكن أن نشير فقط إلى ظاهرة ملفتة خلال السنوات الماضية وهي الغنى الفاحش عند بعض موظفي الدرجة الثانية والثالثة والرابعة ، حيث أصبح بعضهم يمتلك مزارع وبيوتاً وسيارات قيمتها مئات الملايين من الليرات السورية ، وهذا الموظف أو ذاك بالطبع لا يمكن أن يكون قد حصل عليها من راتبه وراتب زوجته فيما إذا كانت موظفة مثله ، فمثل تلك الأملاك تحتاج لرواتب مئات السنين حتى يستطيع الحصول عليها وبجهده كيف لا والمواطن الموظف لا يستطيع أن يكمل الشهر إلا وقد اقترض لأن الرواتب لا تكفي .. فكيف استطاع هؤلاء امتلاك كل تلك الأملاك … الجواب واضح .. ومكافحة الفساد تحتاج للخطوة الأولى بالسؤال والتساؤل … من أين لك هذا ؟؟.
عبد الحكيم مرزوق