قال الشاعر أبو تمام الطائي:
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى
ما الحب إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتى
و حنينه دوماً لأول منزل
الحب ظاهرة إنسانية تنقدح شرارتها بالتقاء الذكر و الأنثى و أول حب كان في هذا العالم حب آدم و حواء ،و تتحرك قصص الحب و مغامرات العشاق بين قطبي العفة و التهتك و كل ما في الكون يتحرك بالمحبة منها ما هو محكوم بالسجن المؤبد في الكبت و منها ما هو متحرر من كل قيد .
وحين يحب البشر فإنهم يتحولون إلى شعراء و يتربعون على عرش الأناقة في المظهر بعد إهمال مزمن و من يقوم حبه على جاذبية الجسد فقط ينكشف سره و تتعثر قدمه و يزل لسانه فيتساقط الطلاء الزائف و تبدو المخالب الدامية تحت قفازات الحرير لأن الحب الجسدي مسامير في نعشه ، الحب تطهير للمحب من أدران الكراهية و الحقد و هو يرفع الخائر و المتحير و اليائس إلى قمم الأمل و النهوض و الهداية حيث ينقلب العالم حوله من دكان للبضائع إلى معبد للقداسة و الحقيقة العارية و هو متمرد على المقولات الثابتة و يحتكم إلى الحدس الإنساني فقط لأنه الحبل السري الذي يغذيه مدى الحياة .
الحب الاول لا يزال يقتحم حياتنا إلى اليوم في إطاره الرومانسي لا يكاد يغيره في ظل مجتمعاتنا الحضرية ذات العلاقات المعقدة و لا تزال قصص الحب الأول تتبرعم و تنشأ في الطريق إلى المدرسة و من شرفة البيت التي تطل على بنت الجيران و أثناء رحلة طلابية مختلطة و في ظل الزيارات العائلية البريئة و هو ينشأ في نجوى من رقابة الكبار و يأخذ مداه الروحي و النفسي من مشاعر العاشقين الصغيرين و تتحرك الأقلام تناجي المحبوب في طلعة القمر و أوراق الورد و خضرة التلال ،و نادرا ما يتحول الحب الأول إلى زواج لأنه حب بريء يتعبد في محراب العاطفة و حدها دون الاعتراف بالموانع المادية التي تتحطم على صخرتها أقوى أمواج الحب سواء أكان أولا أو آخر .و لهذا يعارضه الآباء الناضجون لأنه في رأيهم لا يملك حظاً من النجاح بسبب افتقاره إلى الأرضية المادية الضرورية لكل بناء و هنا تبدأ المواجهة.. الأبناء في مواجهة الآباء و البراءة بمواجهة التجربة و الخيال بمواجهة الواقع ثم ينتقل بعد التقدم بالسن من حكم العاطفة إلى حكم العقل و من التخيل على التحليل و من الوهم إلى المنطق و من الحلم إلى اليقظة .إنها مرحلة من العمر « المراهقة» على الغالب يجتازها البعض قفزاً أو خطفاً و يقف البعض حائراً عند تخومها و هو في معظم الأحوال يخف و يتلاشى و لكنه يترك في اللاشعور أثراً لا يمحى على الإطلاق .
نزيه شاهين ضاحي
المزيد...