نأتي إلى هذه الدنيا .. ندخلها بقوة حب الحياة ، لنعيش بعدها عمرا ً من الشقاء والتعب المطرز بلون الألم ، لتبقى أرواحنا مجرد شظايا وأشلاء يحملها الزمان إلى غيابات المجهول ..
فنهرب إلى أحلامنا المتشكلة عبر مرحلة طويلة من عمرنا المديد ..
نتسلق شرفات الحياة المفعمة بالأمل ، وكأننا ما أتينا لنموت أو لنرحل إلى حيث لاعودة، بل نحاول أن نبلسم جراحاتنا بأنفسنا ، لنستمر في العطاء والعمل ، ونخفف الوجع لنشعر بقليل من الفرح ..
نتقلب بضوء الحلم ونور الأمل المشرق بشوق العودة للتواصل، لأننا نريد أن نترك بقية بهجة ، أو شيئا ً من التفاؤل في نفوسنا قبل أن نغيب في صحراء الفناء ..
ننتظر بشغف تحقيق حلم آفل، فنقف طويلا ً على سكة الانتظار الممل، أو نسير الهوينى، كل منا وحده، لايملك سوى الدموع وصراع الأفكار والأماني ..
الآلاف مثلنا يأتون ينتظرون، يحلمون ، يأملون، ثم يرحلون كل يوم محملين بأسى الرحلة الطويلة وتعب السنين ، يلاحقهم زمهرير الخوف من النسيان وكأنهم لم يتواجدوا في هذا العالم الفاني .. ولكن أبقى الذاهبين هم الراحلون على نعوش من ورد وياسمين ونياشين عرفان بالجميل .. تغطيهم أعلام الوطن الملونة ، تحميهم من النسيان يخلدون في حضور الذكرى الآسرة ، مبللين حياتنا بعطرهم الفواح ، ذكراهم العطرة تحدب على يباس حياتنا بتضحياتهم التي تطفىء عنا نار الغياب ..
زنود أبية .. سواعد سمرة .. نفوس طيبة شقت عباب الحياة الصعبة بعصا سحرية ، غاصوا في أعماقها بعيدا ً .. بعيدا ً، يقذفون بلآلئها دوما ً ولاتنضب أعطياتهم ..
تقلبوا في أهوائها وبردها بين عواصفها وشمسها ودفئها ، كي تتلون أيامنا وأحوالنا، بما حملوه من خبرة الصبر، ونبل الرسالة ليمثلوا قصة الشرف والمثل الأعلى في الكد العنيد والكدح المضني ..
عفاف حلاس
المزيد...