لم أكنْ أرغب في الحديث عن موضوعة المناهج التعليمية التي جاءت تحت مسميات ومصطلحات أحياناً الحديثة ثم المعدلة والمطورة ، ليقيني أننا ننفخ في قربة مثقوبة ، وأن الكلامَ لا صدى له يُسمَع ، ولا جدوى من صرخة في وادٍ بلا قرار ، وبعيداً عن المسميات ، و مدى ضيقها أو اتساعها ، فإنَّ ما أود الإشارة إليه في هذا الحكي بمعناه الدلالي ، لأن زمن القول الذي يحقّق فائدةً من قوله قد ولّى في ظلّ تغيرات نالت الإنسان في كل ما يتصل به من سلوكيات وممارسة عاداته ، فالصباح على الصديق أو الجار اليوم يبدأ بالسؤال عن وضع الدولار صعوداً أم هبوطاً على الرغم من عدم تأثير تلك الحركة التصاعدية أم الهبوطية في حركة الشراء ، فيما يبدو أن التجار يجافون الدولار في انخفاضه ويتصالحون معه في ارتفاعه ، أعود إلى المناهج التي بدأت ، فلعلم كل ذي بصيرة أن معيار تطور الأمم يكون من خلال العلم والتعليم فيها، كما يكون القضاء معيار صلاح تلك الشعوب ، وأمام رائز العلم أجدني أتوقف عند مقرراتنا المدرسية التي جاءت بعد جهود استمرت سنوات وأخذت ما أخذته من جهد ومال وتعب ، وقد كنت واحداً ممن اشتركوا في تلك الورش ، وهو كان خطوة على طريق التطوير التي أريد لبلادنا أن تنقطع عنه في الحرب الجهنمية التي كانت ولا نزال نعاني آثارها ، وعلى صعيد المناهج التي هي من أولويات النهوض ، وتجاوز الواقع المأساوي الذي عاشه أبناؤنا المتعلمين على اختلاف مستوياتهم العمرية ، ومراحلهم التحصيلية أشير في عجالة إلى ناحية التأليف في كتاب العلوم للصف الثامن الذي جاء غلافه مُزيّناً بصورة غزال سُمّي من خلال التعريف به بـ (الأريل) والتقطت صورته بوضعية الجلوس وهو حيوان يعيش في أفريقيا وشبه الجزيرة العربية وسورية ويتواجد منه في العالم حوالي 40 ألف رأس ، ومن الغلاف أبدأ بالأسئلة التالية :
يُفتَرض الغلاف أن يكون ذا دلالة عن مضمون الكتاب ، فهو بمثابة التهيئة الذهنية للمتعلم ، ليلج محتوى الكتاب الذي جاء في أربع وحدات تشمل : النبات والحيوان الفقاري واللافقاري ، ووحدة أصل وتطور الحياة هكذا وردت ــ مع ما في التركيب من خطأ ، إذ الصواب أن يكون العطف أوّلاً ثم الإضافة ــ وكأنَّ التدقيق اللغوي مُغيّب بما أنه كتابٌ علميٌّ بحت ، ووحدة التكيف و السلوك ، فهل الغزال هو ما يُعبّر عن المحتوى ؟ وما علمناه وعلَّمناه أن عملية التهيئة النموذجية والصحيحة هي التي تنطلق من الحسية ، وتلامس الواقع ، وتنبثق عنه ، ثمّ إن من ضرورات التحفيز أن تكون الصورة دالة على النشاط والحركة ، فهل وضعية الجلوس تؤدي ذلك الهدف الذي يجب ألا يغيب عن مُصمّمي الأغلفة المدرسية ؟ ! وقد جاء في التقديم أن تطوير المناهج راعى خصوصية المجتمع وهويته الثقافية ، وأن ذلك يتم من خلال الملاحظة والتصنيف والقياس والمقارنة والتنبؤ والتجريب والاستنتاج والاستقراء ، ووفق هذه الأسس نسأل كم من تلاميذنا يمكنه مشاهدة هذا الغزال في الواقع ؟ وإذا ما تجاوزنا إمكانية مشاهدته في النت ، فكم من تلاميذنا يمكنه القيام بذلك ؟ وأترك الغلاف إلى ما هو أهم في المحتوى الذي جاء وفق التجارب ، فالمعلومات نتائج لتجارب يجب القيام بها ، ومشاهدتها ، ومن ثم الاستنتاج بناء عليها ، والسؤال كم من تلك التجارب تتمُّ بالفعل ؟ علاوةً على أنَّ التجارب تحتاج إلى يوم أو أكثر لظهور نتائجها ! !! ؟ وهل ثمة لدينا في مدارسنا مخابر للقيام بتلك التجارب ؟ وكم من مدرس يقوم بذلك ؟ ، وهل الدقائق المخصصة للتدريس كافية للقيام بالنشاط العملي ؟ أعتقد أننا كمن يغني بصوت مبحوح ، نحن بحاجة إلى مناهجَ تُراعي الواقع بشروطه الموضوعية ، وإمكانياته الواقعية ، لا أن تأتينا كجلمود صخر امرىء القيس ، فالعلم لا يقلُّ عن العمل الجراحي في خطورته وحساسية اللجوء إليه ، فنحن بالعلم نتعامل مع عقل ، وفكر نريد له أن يكون لبنةً قويةً مُتماسكة في بناء البيت السوري المستقبليّ الذي نتمنّى أن يكون بناءً قوياً مُتماسكاً : فكراً وانتماءً للوطن ولإنسانية الإنسان فيه .
د . وليد العرفي