في أحد أيام آب عام 2013، تحوّل هواء الغوطة الشرقية في سوريا إلى سلاح قاتل، هناك، وسط الذعر والموت، وقف الدكتور محمد كتوب “طبيب الأسنان الشاب” عاجزاً عن علاج مرضاه بما تعلمه في كلية طب الأسنان بجامعة دمشق، لقد كان يواجه شيئاً مختلفاً تماماً، هجوماً كيميائياً سيصبح أحد أحلك فصول الحرب السورية.
لكن تلك اللحظة الصادمة لم تكن نهاية الطريق، بل كانت بداية رحلة طويلة من أجل الحقيقة، فبعد خروجه من سوريا، حمل كتوب معه ذكريات ما رآه، ليتحول من شاهد على الجريمة إلى صوت لها في المحافل الدولية، ولم يكتفِ بتقديم شهادته لفرق التحقيق الدولية حول الأسلحة الكيميائية، بل امتدت جهوده إلى أبعد من ذلك.
أصبح صوت الضحايا الذي يتردد في أروقة الأمم المتحدة، حيث وقف أكثر من مرة أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي ليحكي لهم ما حدث، كما قدم دعماً مباشراً للناجين والناجيات، وساهم في الجهود القانونية لمحاسبة المسؤولين، حيث أصبح طرفاً مدنياً في القضية المرفوعة ضد نظام الأسد بتهمة استخدام الأسلحة الكيميائية.
بعد سنوات، ومع تحرير سوريا، دخل الدكتور كتوب مرحلة جديدة من خدمته لبلاده، وانتقل إلى العمل الدبلوماسي في وزارة الخارجية، حيث وجد في منصبه الجديد فرصة لمواصلة مسيرته بطريقة مختلفة، فساعد في تسهيل زيارات منظمة حظر الأسلحة الكيميائية للمواقع المتضررة، وشارك في تطوير قدرات الكوادر المحلية للتعامل مع مخلفات الأسلحة الكيميائية، مستفيداً من خبرته التي امتدت لأكثر من عقد,
لم تكن هذه الرحلة الميدانية منفصلة عن الجانب الأكاديمي، فالدكتور كتوب حاصل على زمالات متخصصة من جامعة كاليفورنيا بيركلي في مجالي الصحة العالمية والدبلوماسية، وحقوق الإنسان، مما أضاف عمقاً جديداً لرؤيته.
اليوم، تظل قصة الدكتور محمد كتوب المندوب الدائم للجمهورية العربية السورية لدى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية,شاهدة على كيف يمكن أن تتحول المعاناة الشخصية إلى قوة دافعة من أجل العدالة، ومن غرفة الطوارئ الميدانية في الغوطة إلى قاعات الدبلوماسية الدولية، ظل مخلصاً لهدف واحد وهو أن لا تذهب معاناة الضحايا سدى، وأن لا تتكرر مأساة الأسلحة الكيميائية مرة أخرى.
المزيد...