تحية الصباح… وجدانيات الحروف

ينساب الماء الهوينى في مستقر سهل فسيح ، فتراه دفاقا ً من عاليات ذرا ، وواسعات سفوح ، وعلى منعطفات الدروب ، والتواء الأودية ترسم التعرجات عوالم من سحر تزفه سقسقات ماء في جدول يولد من رحم ينابيع ، وبقبقة ماء ، وقد ضاق المجرى ، في مقاربة واد ٍ إلى واد وثمة آفاق رحبة تدانيها نظرات تكاد تلامس قمما ورائعات زهور وباسقات شجر ، وأخرى تدانيها البصيرة تأملا ً في فساحة ألف مدّ ومدّ ما بين تضاريس وآفاق ، مداها مكانا ً سعة كون رحيب ، وفي خبرة الأيام وإقحوانات الرؤى على مطالع كل فطنة وشوشات همس دفين مطمئن في خفايا الحنايا والضلوع صوب صرح البهاء في مفاتن الجمال الرصين ما بين فكرة تطاول أعناق العبقرية ونضارة قامة وقيمة في مراقي السحر الوهاج رزانة حضور ينفح بالشذا عبقا ً من ردن مثابرة وكياسة سلوك ، وسداد منطق ، ومحددات أفكار ينشدها الوعي ما بين الضوء شعاعا ً والحسن نقاء بما يوقد في ثنائية العقل والوجدان شعلا ً من نباريس أضواء لها الثريا خزائن بريق ، ولها الثرى المندى مثل أكمام الورد من ألف وميض ووميض ، وبكليهما ينسج العناق شالا ً من خيوط رقيقة موشاة بحذاقة النباهة إدراكا ً وألمعية الإبداع ابتكارا ً ليغدو البوح في إشراقات كل مشهدية تتماوج بمطارفها تلاوين من سعادة جمال يشغف بكثير عطر نافح من وشم أصلته الأيام ، واكتنزته التجارب وغنّته الذائقة تجذّر مصداقية في مخزون كل عبق ليصير خمرا ً معتقا ً في خوابي اللهفات على مطلول حروف ، تجود بها أعناق كلمات تلاطفها سمرة مغناج فتتورد على شفاه الضفاف الزنابق والورود ، وعلى مصاطب السفوح وتدرجاتها الزروع ، وعلى انبساط السهول تتراءى حقول ترسمها إرادة الكدح بمحاريث خطوطا ً لزروع ومساكب لتغنيها البيادر مواسم وقد جادت بخيرها ، وقد تشربت ما انساب إليها من ماء ، أو أتاها دفاقا ً ، وما بين حبات عرق وخير غيث السماء كان الجمال ويكون دنيا من ساميات قيم وناهضات آمال . يصوغ المسك أصورة من ثنايا كل إبداع ينطقه حرف أو تقوله شفتان وتبنيه ساعدان ، وتتذوقه نفوس فتتعطر به أنفاس ، وتجود به قرائح في مقولات قصائد أو مقطعات نثرية على كتفي الزمان أو يرتعش نغم على وتر شده انتباه لماح فانداحت النغمات سيلا ً منة دفق عواطف تصدح بها مشاعر وتحاكيها أنفاس. وفي واحة ثقافة ضاربة الجذور في مهاد الحضارة الإنسانية معارف وخبرات ومهارات تعاقبت عليها أمم وتتالت أجيال ، وفي تراث إنساني صفاء مائه النمير إنسانية الإنسان ، قيمة كبرى ، ورسالة وجود في محددات أعمار ، وكينونة حياة . وفي جدلية الحكمة وسعادة المعرفة يكون التأمل بعدا ً لا محدود في سعي بصيرة تتجاوز كل بصر فيصير جمال الانسياب وعي تآخ ٍ ما بين قطرات ماء وحيثيات رؤى ، لهما الحياة مشروعية كل تفكير تطرزه الحروف كلمات هي صدى لكل محتوى في حقول سمو كل وجدان ومكنون كل عقل ٍ . أجل إنها مشهدية وجدانية الحروف الكامن طاقات وقدرات في مهابة كل تألق وأريحية كل انفتاح وبداهة كل مبادرة تزدهي شرانق من بوح اضواء تتماهى في كينونتها لتولد فرحا ً يتكوثر مثل جدول عذب في فضاء ٍ مجراه محددات من منمنمات مطرزة تلامس كل بريق وتسعد بإشراقة الضوء حيث نبالة الحروف في وجدانيات كل عمل ٍ يسمو ما بين فكرة وساعد وعبقرية أداء صوب كل ميدان في دنيا الحياة .

نزار بدّور

المزيد...
آخر الأخبار