يحتاج النحل لغطاء نباتي كثيف وهو متوفر في مراعي المحافظة بشكل جيد مشكلاً أطناناً من الرحيق الذي يتوجب استثماره عن طريق هذا الكائن الوحيد القادر على استخراجه و صنع العسل… اشتهرت حمص منذ زمن ليس ببعيد بمراعيها الخصبة و ازدهرت تربية النحل لتأتي سنوات الحرب وتفرض من الصعوبات ما جعل هذا النوع من النشاطات يتراجع للربع وما دون .. و اليوم ومع تعافي المحافظة من دنس الإرهاب عاد المربون لعملهم إلا أن الظروف الطبيعية كانت لهم بالمرصاد ومنعتهم في المواسم القليلة الماضية من تحقيق ربح حقيقي.
لقاءات أجرتها العروبة مع مربي نحل في مناطق مختلفة من المحافظة سواء في الريف الغربي أو الشرقي تنوعت همومهم لخصوها بصعوبات متعددة أدت إلى تراجع تربيته وانخفاض عدد الخلايا ما انعكس سلبا على إنتاج العسل وارتفاع أسعاره بشكل يفوق قدرة المواطن على شرائه للاستفادة من فوائده الغذائية والعلاجية الكبيرة..
وقال المربي محمود العلي : إن النحل (رحال) أي يجب نقل الخلايا من مرعى لآخر حسب المواسم و أثر تراجع الغطاء النباتي و الحرائق الكبيرة في مناطق مختلفة على إنتاج النحل ,وأشار آخرون إلى أن ريف الرستن كان من المراعي الجيدة جداً كونها منطقة غنية بالزراعات المروية ,ويأملون أن تعود الزراعة لسابق عهدها ليتوفر الغذاء الرئيسي للنحل و بالتالي انتعاش القطاعين
التنسيق الغائب
و في المخرم أشار مربون إلى أن الإقبال الشديد على قطاف براعم القبار وبيعها بعد تجفيفها أثر بشكل كبير على إنتاج الخلايا في المنطقة كما أجمعوا بأن رش المبيدات الجائر في أغلب المناطق بهدف القضاء على مسببات الأمراض للأشجار و لكن الرش يتم بكميات كبيرة و بالتالي تكون السمية مرتفعة بالنسبة للنحل ,وأضافوا لايراعي المزارعون حاجة النحل للرحيق و بالتالي لايوجد تنسيق عام بين الجميع و كل ينادي يارب نفسي ,ونحن هنا – والكلام للمربين- لا نريد أن تصاب المحاصيل الزراعية بأذى و لكن حبذا لو يتم اتباع الحلول الوسطى والاعتماد على المكافحة الحيوية أو المبيدات التي لاتؤثر على النحل و للأسف هذا أمر غير مرعي في أغلب الحالات
ومن الملاحظ تناقص عدد المربين بشكل سنوي متزايد بينما يظهر آخرون (هواة) يعتبرون ولقلة معرفتهم بخبايا و أسرار المهنة خطراً عليها.
أحد المربين قال : إن هذه الثروة يجب حمايتها والمحافظة على جودتها وشهرتها ولابد من نظام أو لائحة منظمة وايجاد حلول لهذه الثروة والعناية بها ولابد من ضوابط واجراءات للاستفادة من هذا المورد الطبيعي وتحويل هذه السلعة من سلعة عادية إلى سلعة مشهورة يعود نفعها على المجتمع.
غياب التعويضات
وذكر مربون بأن خلايا النحل عندهم تضررت جراء موجة الصقيع في الشتاء ما قبل الماضي و أشاروا إلى أنهم وعدوا بتعويضهم من صندوق الجفاف ولكن لاحياة لمن تنادي ,وأشار بعض من التقتهم العروبة بأنه و بعد طول انتظار لم تلحظهم اللجان بتعويض و اعتبرت موت الخلايا بسبب تقصير في العمل و ليس الصقيع الذي أثر على كل المحاصيل الزراعية , و على الثروة الحيوانية ,وهمس آخرون بأن منح خلايا النحل توزع وفق معايير ليست واضحة بالنسبة لهم ..
تراجع ملحوظ
أحد المربين كان لديه 70 خلية نحل يعتمد على ترحيلها إلى مراع متنوعة خارج منطقته لكنه فقدها كما بين للعروبة نتيجة ظروف الحرب ثم أعاد تجديد 20 خلية لكنه يواجه اليوم صعوبات تتعلق بضعف المراعي ,ما أثر على الإنتاج و تدهور المرعى واستفحال الأمراض وعدم إمكانية نقل الخلايا إلى أماكن تتوافر فيها الأزهار بسبب التكلفة المادية الكبيرة , وبالتالي تراجع إنتاج الخلية الواحدة بشكل كبير , واقترح تنفيذ دورات للمربين للتوعية بكيفية التعامل مع النحل والسيطرة على آفاته نتيجة عدم وجود خبرة كافية لدى بعض المربين في هذا المجال وكذلك الابتعاد عن التقليد في مسائل التربية.
دبور وتحطيب وجفاف
تراجع المراعي الجبلية جراء قلة الأمطار واقتصارها على فترة زمنية قصيرة من العام وصعوبة ترحيل الخلايا لمناطق أخرى و رش المبيدات الجائر لليانسون خاصة و أن عسل اليانسون هو النوع الأغلى و إلغاء خطط زراعة القطن بسبب موجة الجفاف التي أثرت بشكل مباشر على المزروعات البعلية و المروية , و الدبور الأحمر أحد أخطر الأعداء للنحل و الذي يأتي على الخلية كلها ومن الممكن أن يدمرها كلها عوامل تقف بوجه المربين و تحد من زيادة الإنتاج و تحسنه…
وأشاروا إلى أن الوحدات الإرشادية تقوم بتوجيه المربين وتعليمهم كيفية القضاء عليه من خلال جمع الملكات أو وضع المصائد ,وأضافوا أن للتحطيب الجائر الأثر الأكبر في حرمان أسراب النحل من مصدر رحيق أساسي وخاصة بالنسبة لأشجار الكينا والتفاح .
مراعي الرستن أثرت سلباً
و ذكر المهندس أحمد محرز رئيس شعبة النحل ضمن دائرة الوقاية في مديرية زراعة حمص بأن المكان الأكثر ملاءمة لتربية النحل هو مركز تلكلخ يليه الريف الغربي ثم الرستن ثم منطقة المخرم و اعتمادها على القبار
مشيراً إلى تأثر الإنتاج بشكل كبير بعد خروج الرستن خلال الحرب من الخدمة تماماً كونها من المناطق الأولى بإنتاج العسل على مستوى المحافظة لأن الزراعات فيها كلها مروية في قرى و مناطق المختارية و الدار الكبيرة و دائرة زراعة الرستن والدوير و الغنطو وتلبيسة و جبورين و قني العاصي والتي تشتهر بزراعة اليانسون.
خارطة الحراج
وأضاف محرز: قمنا بإعداد خارطة حراجية و على أمل تشكيل لجان جديدة لتنفيذها وزراعة أشجار تعطي رحيقاً للنحل ,ذاكراً أنواع أشجار رحيقية بديلة سريعة النمو وأهمها أشجار الكينا وإمكانية الاعتماد على المحاصيل مثل الخضروات و المحاصيل الحقلية و العطرية و اليانسون و الحبة السوداء …
وأضاف نعمل بجد لتوفير السبل الكفيلة بتطوير قطاع تربية النحل لما له من أهمية في دعم الاقتصاد الوطني و تحقيق دخل جيد للمربين .
أعداد المربين
وعن أعداد المربين والخلايا بحمص قال محرز : أنها وفق إحصائيات الوحدات الإرشادية يبلغ عدد العاملين في قطاع تربية النحل 1234 عاملاً و عدد الخلايا البلدية (في جذوع الأشجار أو في الفخار 373 خلية و عدد الخلايا الحديثة 26328 خلية , أما عدد طوائف النحل (الطرود) الممنوحة كمنح 1536 طرداً ,وأشار إلى أن عدد الأسر المتضررة العاملة في قطاع تربية النحل وحتى تسويقه 579 أسرة ,وأضاف: تم توزيع منحة نحل لـ 512 مستفيداً من برنامج الأغذية العالمي بالتعاون مع اتحاد النحالين العرب وغرفة الزراعة والجمعيات وتتضمن المنحة خلايا و بدلة و أدوات للمربي.
منح مقبولة
وتابع: بالنسبة للنحل في المنح كان مصرياً يصلح للتطريد أكثر من إنتاج العسل كما أنه شره لتناول العسل و يؤثر على الصفات الوراثية الجيدة للنحل السوري الهجين الذي يتدهور بوجود نوع آخر, مشيراً إلى بعض صفات النحل السوري الذي يعتبر أفضل سلالة في العالم في إنتاج نوعية الغذاء الملكي وقدرته العالية على اجتياز الشتاء بأقل كمية من الغذاء السكري , كما أنه مدافع جيد عن مسكنه ضد الأعداء الحيوية كالدبور الأحمر , ومتفوق على كافة السلالات الأجنبية في قدرته على مقاومة فقر المرعى في الظروف المحلية .
مقترحات
وذكر محرز: بأن الدائرة قدمت العديد من المقترحات لدعم تربية النحل منها إعادة دراسة الخارطة الحراجية بحيث يتم اعتماد أنواع من الأشجار الحراجية مثل الأكاسيا والخرنوب و الزيزفون الحبقي و الكينا خاصة في المواقع التي تعرضت لحرائق أو تعديات من القطع الجائر بالإضافة إلى اقتراح مواقع تحريج جديدة تضم الأصناف المذكورة ضمن خطة وزارة الزراعة مما يساهم في رفع نسبة الحراج المفيدة في تربية وتطوير النحل السوري كون الخارطة المفيدة بهذا الخصوص لاتتعدى 3% من نسبة الحراج الموجودة حالياً في المحافظة .
وأشار إلى ضرورة توجيه المشاتل لزراعة الأصناف آنفة الذكر بما يساهم في توسيع و امتداد خارطة الحراج المفيدة لتربية النحل و العمل على تأصيل سلالة النحل السوري , و وقف استيراد النحل الأجنبي , و ترشيد استيراد الملكات الأجنبية إلى القطر,و تحويل دعم المنظمات الدولية الحالي المتمثل بإدخال سلالات أجنبية إلى دعم آخر يتمثل بتقديم وسائل و معدات تربية النحل السوري ( خلايا خشبية – شمع – أدوية لمكافحة أمراض النحل – بدلات نحالين – غذاء كاندي – مضادات حيوية – مغذيات و منشطات للنحل – وسائل كفيلة بمكافحة أعداء النحل الحويين)
الحلول العلمية …حاجة ملحة
كما أنه بات من الضروري تكليف البحوث الزراعية بإيجاد حلول علمية فعالة لمرض الفاروا وإنجاز دراسة حول معدل تأثير كلوريد الليثيوم في مكافحته وتحدث عن طريقة مكافحته بالنسبة للخلايا التي تهتم بها دائرة النحل والبالغ عددها 60 خلية عن طريق وضع شرائح عطرية , وأشار لضرورة إيجاد سبل فعالة لمكافحة الدبور الأحمر لما سببته في العام الإنتاجي الفائت من أضرار هائلة في أعداد الخلايا و إنتاجيتها .
وأضاف محرز : نأمل إحداث مركز لدعم النحل السوري في محافظة حمص أسوة بمحافظة اللاذقية و إدخال مخابر لإنتاج الملكات المخصبة أو الملقحة لزيادة أعداد النحل السوري الأصيل
تحسن إنتاج الطرود لعامي 2017و2018
بناء على اجتماع رؤساء شعب النحل بسورية بمديرية الوقاية في وزارة الزراعة اقترح بتوجيه عمل مراكز تربية نحل العسل نحو إنتاج الطرود حصراً و بالقدر المستطاع و ذلك لتعويض الفاقد الحاصل حالياً من خلايا النحل , مشيراً إلى ان العامين المنصرمين كان الإنتاج فيهما جيداً و حققت دائرة النحل بحمص ريادة على مستوى القطر بالإنتاج رغم كل الصعوبات و التي يتمثل أولها بخروج مركز الدوير لتطوير تربية النحل من الخدمة نتيجة الممارسات الإرهابية التخريبية و تعرض محتوياته للسرقة حيث تراجع عدد الخلايا إلى 30 فقط , ثم تطور الإنتاج و أصبح العدد 60 وتتم تغذيته في المختارية على اليانسون و ننقله إلى مركز الشيخ حميد التبادلي أثناء عمليات التطريد الاصطناعي ثم ينقل إلى المختارية في الشهر الخامس تقريباً و في الشهر السادس و السابع نبيع الطرود الجديدة للمواطنين.
وحالياً نقوم بإعادة تأهيل مركز الدوير و منشرة إنتاج الخلايا مع مخبر أمراض النحل و نتوقع أنه مع بداية العام القادم سننقل إليه كل الخلايا و نضاعف أعدادها.
تنفيذ الخطة بنسبة 320%
وعن إنتاج العسل في عام 2017 بلغت الكمية المنتجة 508 كغ و الخطة 159 كغ من العسل و بلغت نسبة التنفيذ 320% , وفي عام 2018 بلغ عدد الطرود المنتجة 60 طرداً بنسبة تنفيذ 100% و جميع الطرود مطابقة للمواصفات الفنية المحددة من قبل الوزارة وهي أن يكون الطرد من خمسة إطارات مغطاة بالنحل منها ثلاثة إطارات حضنة من مختلف الأعمار و إطار يحتوي عسل و غبار الطلع و إطار شمع حديث و مبني و ملكة ملقحة و حديثة لايزيد عمرها عن العام ,منوهاً إلى أن العسل المنتج لايباع و إنما يتم إدخاله المستودع حسب الأصول المرعية ليستخدم لاحقاً في تغذية خلايا النحل في بداية الربيع لما له من أثر كبير جداً في تغذية طوائف النحل و حمايته من الأمراض وزيادة في إنتاج الطرود وتوفير في التغذية السكرية .
إنتاج 60 طرداً للعام الحالي
و في عام 2018 سادت ظروف مناخية جافة نتيجة ارتفاع درجات الحرارة عن معدلاتها السنوية وانحباس الأمطار خلال شهري آذار و نيسان في معظم مناطق المحافظة وتقلبات مناخية شديدة خلال موسم فيض الرحيق (شهري أيار و حزيران) و حدثت هطولات مطرية غزيرة تلاها رياح شديدة مباشرة و تقلبات وتبدلات في درجات الحرارة , كل هذا انعكس سلباً على إنتاج الطوائف من العسل بحيث لم نتمكن من قطف العسل و ارتأت اللجنة ترك العسل الموجود داخل الطوائف للاستغناء عن تقديم التغذية السكرية للطوائف قدر الإمكان , وللمحافظة على الطوائف بحالة جيدة للدخول بها في فصل الشتاء بحالة قوية , ورغم الظروف الجوية وانحسار الأمطار تمكنا من تنفيذ الخطة , وعن أسعار الطرود قال محرز :نظراً لقرب موعد بيع طرود نحل العسل المنتجة لدى مراكز تربية النحل سعر الطرد المكون من خمسة إطارات هو 12500 ل.س .
وتم تسليم مديرية زراعة حلب عشرة فقط (مناقلة ) استلام مستودعي ,وبيع جمعية النحالين في منطقة المخرم بالمحافظة عشرة بقيمة إجمالية 125000 ل.س و بيع 40 طرداً للمربين في المحافظة بقيمة إجمالية 500000 ل.س , وسددت المبالغ لخزينة الدولة 625000 ل.س ثمن خمسين طرداً .
أخيراً
أجمع مربو النحل الذين التقت بهم العروبة بأن تربية النحل بحر كامل وعميق والعمل في هذا المجال حساس جداً وبحاجة لخبرة و دراية كافية ,كما أنه أصبح بحاجة لدعم حكومي مادي و علمي ليحقق الهدف و الربح المنشود و بالتالي الدعم الحقيقي للاقتصاد و الوطني
هنادي سلامة