أتعلمون أن ثقافة الفرح قديمة قدم الإنسان في هذا الوجود ؟ ألكم أن تتصوروا أن الألعاب الأولمبية التي انطلقت قبل الميلاد من جبل أولمب في اليونان كانت تجلياً من تجليات ثقافة الفرح ، وأنها كانت منذ نشأتها أرقى ممّا هي في أيامنا فلم تكن مسابقات رياضية فحسب وإنما كانت مسابقات في كل الفنون ومنها الرياضة ، ففيها مسابقات موسيقية ومسابقات غنائية ، ومسرحية ، ومسابقات رقصٍ ونحت وشعرٍ. والهدف كان يصنّع تصنيعاً ، وأن في أعماق الإنسان وحوشاً هاجعة يجب أن تظل هاجعة نائمة كوحش الطمع ووحوش أخرى أكثر إيلاماً… فإذا استيقظت جلبت الدمار والخراب للعالم . ومن هنا كان اللعب ، اللعب الرياضي ، اللعب المسرحي ، اللعب الموسيقي ، وتصنيع الفرح لإبقاء هذه الوحوش هاجعة في الأعماق ولعلكم تشاركوني الرأي أو الحقيقة أن هذه الفلسفة ، فلسفة الحياة ، فلسفة الفرح انتقلت إلى اليونان من شرقنا ، من السومريين والبابليين من الفينيقيين والأشوريين ، وأن المهرجانات التي كانت تقام في شرقنا لا حصر لها وكلها كانت تنطوي في إطار فلسفة الفرح أو ثقافة الفرح .
ففي موسم بذار القمح تقام الاحتفالات وفي موسم الحصاد تقام المهرجانات ، وللكرمة أعياد ، وللربيع أعراس وطقوس مازالت أصداؤها تتردد في عيد النيروز وخميس البنات وغيرها…
واليوم ينفض طائر الفينيق رماد الخرائب والحرائق عن جناحيه ، مؤكداً أن خريفنا العربي يلفظ أنفاسه الأخيرة وأن الربيع الحقيقي سينبعث من شقائق النعمان ، من دماء : أدونيس ، من دماء الشهداء …
اليوم تعود ثقافة الفرح لتدفع ثقافة الحزن ، ثقافة الكراهية ، ثقافة التكفير والقتل والتدمير التي ملأت شوارع البلدات التي سيطرت عليها إلى حين بالإعلانات : «الغناء حرام ، الموسيقا حرام ، …. كل الفنون حرام ….!!»
اليوم تعود ثقافة الفرح ، وما المهرجانات التي تقام والمسابقات التي تجرى إلا دليل ساطع على ذلك ، وها هو مهرجان الثقافة الموسيقية في حمص تجسيد حي لثقافة الفرح، وهاهي دار الثقافة تغصّ بالمتلهفين لهذه الثقافة ، التوّاقين إلى الفنون التي ضعفت جذوتها في سنوات العدوان على وطني سورية ، فهنا صوت يصدح وكمان يهمس وناي تحنّ وعود يداعب أوتار الروح ، وهناك في بعض مسافات الظلام «الغناء حرام والقتل حلال» ، فالرصاص يقتل الصدّاح والسواطير تقطّع الأوتار .. فالتحية كل التحية لكل من يكتب ولو كلمة في قاموس الفرح !!.
د. غسان لافي طعمة