لا تخلو جلسة نقدية تعقب ندوة شعرية أو قصصية من شكوى تقصير النقد عن مواكبة النتاجات الجديدة وتحويل الحركة النقدية إلى مشجب يعلق عليه المبدع هناته .والبعض يكيل الاتهامات الكبيرة على النقاد إما من حيث المحاباة أو التجريح وتصفية الحسابات وقد سئل ناقد _يُعتقد أنه يحترم قلمه _ عن الأحكام العظيمة التي أطلقها على مجموعة نثرية أولى لشاعرة شابة فقال :حرام أن نكسر مجاذيفها يجب علينا الأخذ بيدها وتشجيعها ,فهل مثل هذه المحاباة بريئة خالصة لوجه الأدب تعالت قامته وهل المدح المجاني وراء إصدار أكثر من عشرين كتيّباً في هذا العام تحت عنوان مجموعة شعرية نثرية , وهل النقد في أزمة وهل هذه الأزمة وراء تعويم الغث على السمين من الأدب ..؟ أسئلة توجَّهنا بها إلى عدد من الكتاب الذين ينشرون في جريدة العروبة وجاءت إجاباتهم كالتالي:
فوضى النشر جزء من فوضى الحرب
الشاعر الدكتور غسان لافي طعمة له أبحاث نقدية عديدة وعضو اتحاد الكتاب العرب «جمعية الشعر» يربط في رأيه بين الفوضى في النشر وفوضى الحرب ,فيقول رداً على سؤالنا حول تقصير النقد ومسؤوليته في تعويم الغث على السمين من الأدب ,أن النقد فن إبداعي يحتاج لثقافة موسوعية ومتخصصة ولذلك النقاد الحقيقيون قلة ,ومعظم النقد ينصب في انطباعات سريعة وشخصية ولا يستند إلى منهج معين ,ويضيف: أنا أرى أن النقد ليس مسؤولاً عن طغيان الغث على السمين ,وإنما المسؤول عن ذلك هو سهولة النشر سواء أكان النشر ورقياً أم على مواقع التواصل .فصار كل من يؤلف جملتين أو أكثر يعدّ نفسه أديباً مثلما طغى ، أن كل خريج من قسم اللغة العربية في الجامعات هو أديب بالضرورة ,وهذا أيضا أراه مشهداً في لوحة متكاملة هي لوحة الفوضى التي خلفها العدوان على سورية خلال السنوات التسع .
إن نهر الزمن سيجرف الغث من الأدب
الأديبة غادة اليوسف متعددة المواهب وغزيرة الإنتاج,عضو اتحاد الكتاب العرب جمعية القصة والرواية , لها رأيها الخاص في بحثنا المطروح للتداول وهي الناقدة المعروفة بقلمها السليط في القضايا المحقة ,لا تهادن و لاتمالئ فتجيب على سؤالنا السابق بالقول: : النقد علم ومنطق وبحث موضوعي وقوننة ومقدمات محددة تستدعي نتائج محددة ,فالنقد يهدف بمنهجية واضحة وانضباط متقن إلى فهم المنجز الإبداعي وإلى تقويمه وتقييمه بهدف إغنائه وإثرائه بمنأى عن المدح المفلطح الأجوف و سكب السجايا الخارقة لنصوص هزيلة ,أو الهجاء الأرعن الذي يمارس اغتيالاً أدبياً لروح الكاتب قبل نصه وأنا شخصياً لا قِبل لي بذلك ولا أدعيه بتاتاً ,وإنما هي قراءات لا تعدو أن تكون إضاءة أو تعبيراً عن الانطباع الوجداني والتحريض الجمالي الذي أسبغته بعض النصوص الإبداعية من شعر ورواية على روحي من خلال رؤية ذاتية لها ما يبررها .
وعن تقصير النقد عن مواكبة النتاجات الجديدة قالت: المشكلة ليست في تقصير النقد بل المشكلة في المطابع التي تعج بالورق والمطبوعات الجديدة دون تقييم وهذا حق لكل من يرغب بالطباعة والنشر ولكن هذا الحق يشوِّه ذائقة القراء ,والحركة النقدية لا يمكنها الإحاطة بكل ما يُطرح بالسوق ولكن هناك ضرورة وجود حالة نقدية متخصصة في الرواية والشعر والمسرح ,ولكن الغزارة في الكمية على حساب النوعية يصعب على الناقد الإحاطة بها ورغم ذلك هذا لا يبرر أن تكون الحركة النقدية بهذا التراخي,مع الاحترام لكل المدارس النقدية التي جاءت نتيجة معاناة وجهود كبيرة والتي اشتغل فيها النقاد و الباحثون من أجل وضع معايير نقدية بنيت على دراية بقوانين الكتابة تمكن من سبر أعماق النصوص واكتشاف عوالمها ومعانيها ودلالاتها إلا أن التذوق لا يعني عدم احترامها ,حتى ولو لم يكن لها وصاية على أحد خاصة وان النقد أيا كان مذهبه فهو في النهاية ممارسة شخصية .
وتضيف الأديبة اليوسف : إن الكلام كثر في النقد إضاءة وتقريظاً وربما تقييماً وتجريحاً وعجت ساحة النقد بأصحاب المآرب,غير أن النصوص النقدية التي تخدم الإبداع نادرة ندرة الدرر بين الدمن وذلك بجدواها على النص المنقود من حيث هي بذاتها تصبح نصاً إبداعياً قائما بذاته مثل نقديات المرحوم يوسف سامي اليوسف ويوسف مصطفى وغيرهما وأقول قهراً مما يجري في ساحة النقد والشعر إن نهر الزمن سيجرف هذا الأدب الغث.
تخصيص زوايا ثابتة للنقاد
الأديب المعروف سامر أنور الشمالي يتوافق مع الكثير من النقاد بوجود أزمة نقد ويقر بتقصير النقد أيضا عن مواكبة الجديد فيقول: الأزمة ليست في النقد وحده ..الأدب بعامة في أزمة ,والنقد مقصر بالتأكيد ولكن هذا التقصير له ما يبرره فهناك قلة في عدد النقاد المحترفين الذين لا يجدون من يشجعهم على جهدهم المضني فيجب أن يكون هناك خطة لتحفيز النقاد مثلاً أن تخصص لهم زوايا وأبواب ثابتة في الدوريات المتخصصة الصادرة لمواكبة النتاجات الجديدة مع العلم أن النقاد الذين يحققون شهرة يتجهون للدوريات العربية طمعاً في الاستكتاب المرتفع والشهرة ,علماً أن هناك أسماء عديدة حريصة على تواجدها في الدوريات المحلية وهم قلة كالناقد هيثم يحيى الخواجة .
وعن مسؤولية النقد في تعويم الغث على السمين من الأدب قال الشمالي : لا يوجد حركة نقدية حقيقية بل يوجد أشخاص يكتبون النقد , يجب أن نميز بين كتابة النقد التخصصي وبين القراءات الانطباعية المنشورة في الصحف ,فالدوريات تحتِّم طبيعة المادة المنشورة فما يُنشر في الصفحة الثقافية لدورية محلية مختلف تماماً عما ينشر في دورية فصلية متخصصة والنقد ليس وحده المقصر .
الثقة مفقودة بين الناقد والمؤلف
الناقد نزيه ضاحي ينشر نتاجاته النقدية في الدوريات المحلية يقول : إن النقد ليس في أزمة لأنه فن قائم بذاته يقسم إلى نقد تنظيري يتحدث عن القواعد النقدية وأصول الدراسة والثاني النقد الذي يتناول المواد الأدبية كالشعر والرواية والقصة ,والمشكلة تبدو في قلة عدد النقاد في محافظة حمص مثلا في مقابل كم هائل من الدواوين الشعرية والروايات والقصص ,أضف إلى ذلك انه لا يوجد منهج نقدي واضح حيث إن الثقة مفقودة بين الناقد وبين صاحب الأثر المنقود الذي يميل إلى إشباع نزعة المدح لديه ,ويثور غاضباً إذا ألمح الناقد لبعض السلبيات ,أضف إلى ذلك أن مساحة النشر محدودة لدينا بحيث لا تستطيع تغطية الآثار الأدبية التي تصدر تباعاً .
ميمونة العلي – سلوى الديب