الزهور لا تنبت إلاّ في القمة هكذا قرأت ذات يوم وصحيح ما قرأت فالزهرة وهي الروعة في الشكل واللون والرائحة لا تخرج للنور إلا بعد اكتمال عناصر الحياة الأخرى كالجذر والساق والأوراق لأن الأناقة والجمال وإن كانا من الحاجات الهامة في كل عمل يغدوان لا معنى لهما إن لم يسبقهما عناصر التكوين الأساسية تمهيداً للمسات الجمال الأخيرة في كل موضوع ومن هذه المواضيع أولادنا أطفالاً وشباباً… فهم زهورنا في المجتمع بما يملكون من حيوية وجمال ونفوس ما زالت غضة فتراهم يضحكون لأبسط الأسباب ولكنهم أيضاً يتألمون لأبسط الأسباب يتدرجون ببطء في حياتهم خارج المنزل متلمسين معالم وطنهم ومؤسساته وأولى هذه المؤسسات المدرسة حيث الانضباط واللباس الموحد ودقة التوقيت وطريقة قص الشعر يتلمسون ذلك في أول وجه من وجوه مؤسسات وطنهم بشكله الرسمي وجه يتميز بالجدية والحزم هدفه بناء مجتمع الغد فالمدرسة تربية وتعليم والتربية ليست بالضرورة وجهاً صارماً فلا بأس من بعض اللين مراعاة لظرف طالب أو تقاعس آخر في تأمين متطلبات مدرسته فمعظمنا طلاباً وتلاميذاً وأهالي مرهقين بنفقات مستمرة يومية جراء الدراسة هنا وهناك ..مرهقين بحقيبة ثقيلة الوزن بالنسبة لتلميذ صغير لم تستطع الجهات ذات العلاقة وضع حل لهذه المعضلة ..مرهقين بدروس خصوصية خارج الدوام الرسمي لتعيد ما يجب أن يأخذه الطالب في المدرسة وكأنها أصبحت موضة العصر..مرهقين بمصروف يومي ندفعه لأولادنا كنا نسميه «الخرجية» هذه الخرجية تحزن الطالب أكثر مما تسعده لأنها لا تشتري له شيئاً ..مرهقين ببنطال «كحلي « غامق لم يستطع بنطال «الجينز » أن يحل محله في تلبية الشكل الواحد للكل حسب آراء بعض مدارسنا مع أنه قريب في اللون والشكل وهو موجود لدى معظم الشبان والفتيان أياً كانت أحوالهم فلم لا نقبله من طالب قد لا يملك غيره ثم أنه لن يؤثر على درجة استيعاب الطالب لدروسه ولنبدأ بتعليم أولادنا بأن الوطن الذي يمتلك الجدية والحزم في تحية العلم يمتلك الرأفة والحنان في التعامل مع ظروف الطالب ..فحاجات الشبان كثيرة فهل جهدنا في تأمينها قبل أن نجهد في التدقيق بين «الجينز» والكحلي وأياً كان فالشكل المنسق الواحد لا شك أنه أكثر جمالاً وأناقة لكن الزهور لا تنبت إلا في القمة.
يوسف قاسم