تعرض كتاب « الاستشراق » للكبير المقاوم المفكر إدوارد سعيد الذي صدر بالانكليزية للمرة الأولى عام 1979 وصدرت ترجمته للعربية عام 1981 تعرض لهجمة من قبل مجموعة كبيرة ممن يشتغلون بالاستشراق في الغرب وعلى رأسهم الصهيوني المعروف برناردلويس الذي كان عنيفاً في هجومه على إدوارد سعيد وعلى كتابه « الاستشراق « والسبب في ذلك موقفه من القضية الفلسطينية والمواجهة المحتومة مع الصهيونية .. والقضية الفلسطينية هي أساس معظم العداء الذي قوبل به تحليله النقدي للاستشراق .. وقد استغل مهاجموه من المستشرقين الفرصة ليدافعوا عن الصهيونية ويدعموا إسرائيل ويشنوا هجومهم على الحركات الوطنية الفلسطينية وعلى كل من يقاوم اسرائيل الابنة المدللة للامبريالية العالمية .وقد استطاع إدوارد سعيد في كتابه « الاستشراق « أن يفضح اللعبة الاستشراقية التي خدع بها كثيرون ,والتي كانت ومازالت تخدم السياسات الاستعمارية المتطلعة بعيون طامعة إلى ثرواتنا.. كما برع في فضح الخطاب الاستشراقي وتمحوره حول خرافة الشرق الذي لا يتبدل .
أما في كتابه « الثقافة والامبريالية» فقد استطاع إدوارد سعيد أن يكشف عن التواطؤ الكبير والكلي وذاك التشابك الحميم مابين الامبريالية والثقافة التي أنتجتها مجتمعاتها .. هذه الثقافة التي عرفنا خباياها السيئة من العولمة المدمرة التي أرادت من خلالها إلغاء هويات الشعوب وثقافتهم وتاريخهم لتسيطر على الآخرين وتهدد وجودهم .
يعد إدوارد سعيد من أهم المثقفين المقاومين الذين نذروا إبداعهم في الكتابات التي أنتجوها لصالح قضيتهم الكبرى فلسطين ولم يستسلم رغم المضايقات التي أحاطوه بها بل ظل مثابراً حتى آخر يوم في حياته يدافع بالكلمة الصادقة والقول الحق .. وكم نحن اليوم بحاجة إلى أمثال إدوارد سعيد ليدافعوا عن قضايانا ويشرحوا وجهات نظرنا الصحيحة بمنطق وموضوعية وحجج قوية من خلال دراساتهم وكتبهم الموثقة التي تثير غضب الغرب الذي كرس كل ما عنده لتزييف الحقائق خدمة للكيان الإسرائيلي .
نحن بحاجة إلى أصوات تشبه صوت إدوارد سعيد المقاوم وليس لأصوات أولئك الذين يطلون من منابر الغرب للهجوم على بلدانهم وحكوماتها بعد أن أتخمت جيوبهم بالمال المسيس القذر.
وسيبقى إدوارد سعيد محط إعجاب و محبة كل الذين عرفوا دوره الريادي في الدفاع عن القضية الفلسطينية لذلك لا غرابة بأن يقول الشاعر محمود درويش عنه : « لو سئل الفلسطيني عما يتباهى به أمام العالم لأجاب على الفور: إدوارد سعيد فلم ينجب التاريخ الثقافي الفلسطيني عبقرية تضاهي إدوارد المتعدد المتفرد ومن الآن وحتى إشعار آخر بعيد سيكون له الدور الريادي الأول في نقل اسم بلاده الأصلية من المستوى السياسي الدارج إلى الثقافي العالمي».
لقد قرأ سعيد الثقافة العالمية المهيمنة ثم كتب نقده لها عبر رحلته المعرفية واقترنت فيها نشاطاته الأكاديمية والتزامه بقضايا شعبه ووطنه والإنسانية جمعاء فاستحق بجدارة اسم المناضل الحقيقي وشكل رمزاً من رموز الثقافة الفكرية والوعي المعرفي في مقارعة المستعمر الغربي في أفكاره و طروحاته وكيف لا وهو الأستاذ الجامعي الأكاديمي للأدب المقارن في إحدى الجامعات الأمريكية القادم من أرض فلسطين القارئ للتاريخ وحركته والقادر على التحليل المنطقي والموضوعي في زمن قل فيه الصدق وكثر الرياء الأخلاقي والكذب من أجل المصالح ولا شيء غيرها.
المحررة
المزيد...