تحية الصباح… ما بين الجفن والاغتماض

ثمّة عبارات مكثّفة تضجّ بريقاً بمخزون وقدة مضمونها لتغدو وعي فكرة فتتجاوز زمانها وتصير حكمة ، أنفاسها تدرّج أزمان ، و تناقل أجيال، لكأنّها منطوّق النّاس جميعاً تعاقب بشر في دنيا ، آفاقها سعة الحياة ما بين دمعة وابتسامة في مكامن الحال وفق غنائيّة التّفاعل الحياتيّ ، وجدليّة الإنسان والحياة والواقع المعيش نباهة فطنة في تدبّر واقع ، وسعادة رؤى في استلهام موقف أو حذاقة إدراك في قراءة استشراف.
إنّها عبارات تقصّ حكاية تختزن عميق تجارب ، وسخاء ألمعيّة تفكير تأتي به الكلمات سرديّة مدوّنة على سطور ، أو رشاقة شفاهيّة على متسع قول ، مآله أن يسمع .
في تراثنا العربيّ كتب تفيض بأمثال وعناوين في مجلّدات ، هي رسائل ( مشفّرة ) بلغة التّقانة لكنّها مطولات في مسار الكدّ والكدح وصيرورة الأيّام أعواماً ودهوراً.
و إذا ما حطّ رحل البوح في مطالع الوجدان ، وأخذتنا النّفحات الإنسانيّة ، هي الأنقى ، صوب مضارب جدليّة الإنسان والحياة ومصيره ومساره ترانا نقرأ جمال عبارة الشّاعر مجيباً ، إذ يقول: «إنّ لحظة الفرح ، هي لحظة حزن « وعند التّأمل معيار ذلك الشّجن ، إنّها زائلة . إنّ الإنعام و الإمعان في نظرة شموليّة بنباهة البصيرة يشير إلى حقيقة هذا الإنسان العابر لدنيا ممرّ ، أيّاً كان حاله فيها ، ماديّاً أو معنويّا ، إذ ثمّة مسار حتميّ على قول غوته أو حتميّة مطلقة في معطى الوجود ضمن ثنائيّة الوجود والعدم ومهما عصف المرء ذهنه ، فرداً أو سلالة بشريّة ، فإنّه معنيّ بالإحساس بالزّمان ، قد يراه ضرباً في تخوم نهايات ، أو يراه صقيلاً يلاطفه نعيم إنجازات ونجاحات ، وسداد خطا ، ومنطق مؤشرات لفواصل حياتيّة منتظمة ، سقيا لنجاحاتها عملاً نوعيّاً و أداءً متفرّداً وتميّزاً عبر قيم مضافة تتجاوز المطلوب مهنيّاً بالمعنى الإجرائيّ للكلمة ، ليكون الإنتاج ، هي عصاميّة الجهد ، سقيا حبّات عرق ، وفرح معرفة ، وغنى بقامات ، جذورها صداقة العلم والمعرفة وخبرات و مهارات الحياة و تساوق القيم المشبعة بأضمومات الخير ، والطالعة من خدر الضّياء شموساً حضورها سرح كلّ ابتهاج على خدود الحياة نضارة ، ومكانها مساكب ورد و أنداء غمام على مياسم تشرّبت دهاقاً كلّ رحيق ، يشع فيها بريق لحبات ندى فجاءت مساحة العمر لديه مؤونة وجود وجدت له في زمانه حضوراً ، وكسباً مضافاً لمؤونة الذكرى في تجدّد ذاك الحضور عبر نفح : ( أحاديث تبقى والفتى غير خالد) . أجل هو الإنسان ، وهي الحياة وما بينهما هذا الشّلال الأحاديّ الاتجاه وما بين أزل و أبد وعناق ما بينهما تواصلاً سعف نخيل ذو قطوف دانيات من سرمديّة مواقف و أعمال و أنماط سلوكيّة و مقاربات وهمّ وغمّ ودمعة وابتسامة ، إذ الحياة هكذا وصروف الأيام وقدرات الإنسان والفروق الفرديّة في مدى تمثّله للخبرات والتّجارب وما لديه من خصوصيات نمأيّة ضمن زحام إرهاصات لتفاصيل واقع وحياة .
لا شكّ أنّ الجمال النوعيّ في غنى الصّحة كامن في سعادة التّوازن النّفسي ومعطى القناعة الّتي نريدها اغتناء في ثراء طموحنا على مقدار صّدق الجهد فينا أصالة لا جشع القناعة مغانم حتى لا يكون الربّح مغانم استقواء و ظروف وحظوظ ، فما نراه ذا ثقل نوعيّ في غنج ظروف غالباً لا تقرأه البصيرة قناعة فالضّمير الجّمعي يربط النتائج بالأسباب ، ويرى معيار ذلك حقيقة القدرات ويرى مطابقة ذلك مع معياريّة الغلال على بيادر ( من جدّ وجد ). فحال النتائج بالأسباب حال فرح المصابّ للأنهار في قوة مجراها ، و الإنسان عملاً فضفاف الأنهار ثابتة والأمواه في تجدّد وارتحال هي الطّبيعة مفردة هامّة في فلسفات الشّعوب . مثلما الفنّ نحتاً ، أو أيّ مجال من أنساقه ، أكان أجناساً أدبيّة أم أشكالاً تعبيريّة ، وجميل هذا التّصالح ما بين الإنسان في قدراته والحياة باتّساعها ، إن السّنين بشهورها ، والأعوام بأيّامها سرعان ما نراها ومضة وجود في مرتسم العصور ومرامي الدّهور ، لكأنّها صفقة كفّ بعد رقاد هي هكذا ، في اتساعها عمقاً وجوديّا . هي هكذا إشراقات ولادات مواكب من فرح و أغاريد حقائق سفر في حقائب الأيام ، وهي مثل سحائب تمر طبع ماهية في جِبلّتها ، لكنها طبع وقائع بأعمال وإنجازات وزاد ، فتصير بذلك غيث زروع وذكريات ، وسعادة حضور ، شأن سحائب كثفتها الديم السكوب وكأنها غربال السحاب غدرانا ومواسم وغلال حياة ، هي مسار الثواني ما بين الجفن والاغتماض : فإنما الأيام مثل السحاب عيشُنا طيف خيال فنل حظك منه قبل فوات الشباب الأوان .

نزار بدّور

المزيد...
آخر الأخبار