جوقة الفرح : كلمتان ضاربتان جذورهما في أعماق التراث الإنساني ، فالجوقة التي هي كلمة محدثة في العربية تعود إلى التراث الإنساني العريق المتمثل في المسرح اليوناني ، الذي هو أبو المسرح في العالم ، وكانت تمثل في ذلك المسرح الضمير الجمعي للناس ، وأذكر أن الأديب المسرحي السوري الراحل سعد الله ونوس استخدمها في جوقة التماثيل ، وتبقى الجوقة في لغتنا تعني الجماعة ولذلك نقول : الجوقة الموسيقية ، والجوقة الغنائية ، والجوقة المسرحية .
والفرح موغل في أعماق الحياة البشرية وهو في لغتنا العربية يعني : السرور والانشراح فالإنسان في العصور الحجرية كان يفرح عندما يعود إلى كهفه وقد اصطاد ما يطعم به عائلته ، وتطورت الحياة البشرية تطوراً منطقياً متصاعداً ، وتراكمت الهموم والأحزان على الإنسان وأدرك أن الألم صار يلازمه حيثما حل وأن عليه أن يصنع الفرح تصنيعاً لإزاحة الهموم والآلام عن صدره ، فلجأ إلى الفنون وخصوصاً الغناء والموسيقا لتصنيع الفرح ، وأقام المهرجانات والاحتفالات الغنائية والموسيقية .
وفي حضارتنا السورية العريقة التي أبدعت أول أبجدية في التاريخ ، وأول محراث ، أبدت أول قيثارة وكانت الاحتفالات الغنائية والموسيقية تقام في مناسبات لا حصر لها ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر : مهرجان حصاد القمح ، وكانت الأناشيد تتعالى تمجيداً لديمتر –ربة القمح ، التي إن أصابها الحزن جفت السماء ويبس الزرع وعلى مربيتها –باوبو –أن تقوم بكل شيء من أجل إعادة البسمة إلى شفتيها والفرح إلى نفسها كي يبقى القمح معطاء للإنسان والحيوان . وما الاحتفال بخميس النبات إلا صدى لتلك الاحتفالات بمهرجان نمو النبات الذي سيؤدي إلى نضج السنابل والحصاد .
ومهرجان قطف الكروم من أعظم احتفالات تصنيع الفرح ، فالعناقيد نضجت وحان قطافها ومعاصر الدبس تنتظر ، والدنان متشوقة لتعتيق النبيذ ، والدنان من فخار ومن خشب ، وكان تصنيع الفرح الإنساني عظيماً أواخر الصيف حين الكرم يعتصر ولعلنا نجد أصداء هذه الاحتفالات لدى جبران خليل جبران في سكن الليل :
فتعالي يا بنة الحقل نزور كرمة العشاق
علنا نطفي بذياك العصير حرقة الأشواق
ومليك الجن إن مر يروح والهوى يثنيه
فهو مثلي عاشق كيف يبوح بالذي يضنيه ؟!
وإذا كانت جوقات الفرح كثيرة في تراثنا الحضاري السوري العريق ، فإنها اليوم تتجدد في جوقة الفرح السورية الدمشقية التي أسسها الأب الأديب الياس زحلاوي صاحب المسرحية المشهورة – المدينة المصلوبة – وكان تأسيسها عام سبعة وسبعين انطلاقة لتصنيع الفرح جماعياً ، وقد لقيت من الدولة دعماً لا محدوداً فجالت في أصقاع الدنيا – حتى أثناء العدوان الكوني الشرس على وطننا سورية – لتقول للعالم :
إننا –السوريين – صناع فرح إنساني ، دعاة محبة ، حملة حضارة لها فضل على البشرية كلها ولسنا كما تصورنا إمبراطوريات الإعلام الصهيوني ، قتلة ومجرمين ، أعداء حضارة ودعاة حروب ، وها نحن نرسل إليكم جوقة الفرح لتعلموا أننا صناع الفرح الإنساني قديماً وحديثاً ، وكم يليق بنا أن نكثر من جوقات الفرح في مواجهة جماعات التكفير والتدمير التي ألغت في قاموسها كل مفردات الحب والمودة وكل صور الفرح والسرور !!
د.غسان لافي طعمة