لا يشغلنّكم العنوان، فأشجاننا قديمة، وكلّما قطعنا رأس أفعى فيها أنبتت رؤوساً، مستجيبة لتلك الأسطورة المعروفة.
ما هيّج تلك الأشجان التي كانت هاجعة، أو مركونة في زاوية ما، صور نُشرت على صفحة التواصل الاجتماعي، هي ثلاث صوَر، لا فاصل بينها، في الأعلى صورة لقاعة مزدحمة بالنّسوة اللواتي جلسْن سافرات، ليس في القاعة محجّبة واحدة، والتي في الوسط لمجموعة من الصبايا في عمر الزّهور وقد غطّين جميعا رؤوسهنّ، الثالثة يغطيها السواد ، عنواناً من عناوين داعش لا طيّب الله ذكرها ولا ذكر مَن أتى بها وساندها ولو بمشاعره، لقد أراد مَن رتّب الصورة أن يمرّر أمام عيوننا شريطا مختصرا لمراحل مرّت بنا في هذا البلد، وفي بقيّة البلدان المُشابِهة، وأوضح النّاشر أنّ الصورة الأولى تمثّل (الجدّات)، والثانية تمثّل (البنات)، والثالثة تمثّل ( الحفيدات)،
في خمسينات القرن الماضي، وما بعدها ساد سفور المرأة، وانطلقت في سوريّة عاملة في شتى الميادين،، وفي الثانية اختزال معبِّر عن منتصف ثمانينات القرن العشرين حيث بدأ الضخّ الوهّابي الأخونجي فتمكّن محرِّكو الخيوط من النّفخ الشيطاني، بطريقة مدروسة، لاشكّ أنّ أدمغة كثيرة غربيّة، ومخابراتيّة قد أحكمت شدّ سدْوتها ولحاها، فتفشّى في الأسر البسيطة التي لا علاقة لها إلاّ بشؤونها الخاصّة،.. أعرف عائلة غير متعصّبة بل هي تمثّل التحرّر الرزين، الرّاقي، وقد بدأ يفكّر الأبوان بإعادة النظر في خروج بناتهما سافرات، لأنّ الحيّ كلّه قد استجاب بطريقة ما لتلك الدّعوة التي لانعرف إلاّ نُتَفاً منها، ولا شكّ أنّ قادمات الأيام قد تكشف الأكثر، هكذا تسلّل الذين كانوا يهيّئون لذلك العصف الذي انطلقت زوابعه عام 2011،
أنا لا أظنّ أنّ هذا كلّه، بحراكه، وبأهدافه، وبحجم عصفه كناتج، يمكن أن يرتّبه عقل مسكون بالجنس، إنّه ترتيب تلك القوى الشيطانيّة الغربيّة المتصهينة التي لن يعرف العالم الهدوء ما دامت قادرة على نفث تلك السموم، مسخِّرة قوى الظلام بيننا،
الصورة الثالثة لما آلت إليه الأمور على يد داعش الإرهابي في العراق وفي سوريّة، عباءة سوداء تغلف المرأة من رأسها الى أسفل قدميها لا تعلم ماذا في داخلها .
أنا أعرف جيّداً أنّ ما جرى على مساحة الحريق العربي الإسلامي لا يمكن للعدوّ بالغاً ما بلغت قوّته أن يكون له كلّ ذلك التأثير، بل ساعده، وآزره جوانب الضعف، والهشاشة، والثقوب المتروكة ليدخل منها كلّ داخل.
إنّ قوّة عدوّك لا تستطيع تحقيق مطامعها في بلدك إذا لم تكن أنت في حالة ضعف، ومن المؤلم أنّ هذا الضعف حين يتحقّق يشمل نواحي الحياة كلّها، أعتقد أنّه من المهمّ ألا ننسى عوامل سقوط الاتحاد السوفياتي، والذي كان امبراطوريّة واسعة، وقوّة عظمى،
لن أظلّ في المساحة الواسعة، طلَبا لتكثيف الرؤية والرؤيا،
في سوريّة منذ أن بُدئ بـ» دَرْدَرَة» الاقتصاد، وإهمال التعليم، ومنذ أن بدأ المعلّم يشكو من مرارة العيش، ومنذ أنْ عميَت الأعين عن الضخّ الوهّابي الذي بدأ بعد منتصف ثمانينات القرن العشرين، وحدّد نقاط تحرّكه، ومناطقها، واختار الأرياف النائية التي تغزوها الأمية ، ومنذ أن أصبح الاهتمام بالزراعة اهتماماً فاتراً، ومنذ أن غابت محاسبة المسيء، والمرتشي، وسهّل النّهب العام بتغطية في القوانين واللّوائح المُلحقَة النّافذة.. مذ ذاك بدأت الفئران ذات الأنياب الفولاذيّة تقرض ألواح السفينة…..
لا أقول أنّ الوقت قد فات، ففي هذا البلد خيرات كثيرة، ولدينا أوراق كثيرة تجعلنا لاعبين وطنيّين بامتياز، بيد أنّ كلّ تأخير في النّقلة النوعيّة المطلوبة التي تتجاوز المثبّطات والمعوّقات هو تأخير لزمن نحن أحوج ما نكون إليه…
عبد الكريم النّاعم