فرحت كثيراً بالحضور الميداني لمجلس الوزراء في حمص , وقلت بيني وبين نفسي : لابد أن يلامس هذا الحضور هموم أبناء وطني في هذه المحافظة , وهي هموم كثيرة ولكنها تصغر حين يجد المواطن مسؤولاً يلامسها بحنان فيحس المواطن أن هذا المسؤول يشاركه هذه الهموم .
ولكن فرحي بدأ يتلاشى سريعاً ولم يمض على حزمة ضوئه إلا ساعات , فقد شددت رحالي وحزمت عزيمتي وذهبت الى مقر البريد لأقبض على – ماعاش – عمي العجوز المقعد بعد أربعة أيام من بدء الموعد النظامي , وعلقت في طوابير الازدحام بضع ساعات , فقد كنا نحن المواطنين كمكدوس مكبوس بشدة لتقليل كمية الزيت اللازمة وسبب الازدحام أن السيد المصرف التجاري السوري يتأخر في تسليم الأموال للمحاسبين ولكنني بعد طول انتظار وطول إقبال وإدبار ذكرني بفرس الشاعر امرئ القيس – مكر مفر مقبل مدبر معاً – خرجت من مقر البريد سالماً غانماً , وتوجهت مسرعاً الى النافذة الواحدة في العدوية لألقي القبض على –ما عاشي – وهناك كان المشهد جد مؤذ , ازدحام شديد اللهجة على باب قسم المصرف التجاري , وليس على الصراف و عشرات المسنين والمسنات , والعاجزين والعاجزات في وقوف مهيب جليلي لرفع سقف البطاقات من خمسين ألفاً الى سبعين , وملء بيانات ودفع رسوم والمتقاعد يجب أن يكون هو بلحمه ودمه حتى ولو كان على كرسي المقعدين , والسؤال الشرس الذي يفترس الناس : لماذا لم يقم السيد المصرف التجاري برفع السقف سقف القبض اليومي بالبطاقة للجميع بعد مكرمة السيد الرئيس بزيادة الرواتب ؟! ولماذا هذا التعقيد والتنكيد ؟! وإذا كان السيد المصرف التجاري وسيطاً بين مؤسسة التأمينات الاجتماعية والمواطن , فالتأمينات تضع المبلغ المخصص في حساب المواطن في المصرف و والمصرف يناوله للمواطن عندما يريد ذلك , فلماذا هذا التعقيد ؟!
والسؤال الأكثر شراسة : لماذا لا نجد هذا التعقيد والتنكيد لدى مصارف حكومية أخرى كالمصرف العقاري ؟ الذي يغيب الازدحام عن صرافاته مع وجود التقبيض اليدوي إذا غاب الصراف ؟!
لقد ظننت – وبعض الظن إثم – أن وزراء الوفد الحكومي في زيارتهم الميدانية الى حمص سيلامسون هموم المواطن وجراحه ولو بكلمة طيبة أو لمسة حنان تريحه ولو نفسياً أما أن تكون الزيارة كلها منصبة في تخفيف آثار التلوث التي يخلفها معمل السماء الآزوتي ومصفاة حمص , فهذا موضوع عمره أكثر من نصف قرن , والدراسات والمقترحات المتعلقة به تملأ مكتبة بحجم المكتبة الظاهرية في دمشق ولذلك قرر الحمامصة الظرفاء أن الحل الوحيد هو نقل مدينة حمص الى غرب المصفاة ونقل بحيرة قطينة ومعمل السماد الى بادية تدمر , والخلاص من هذا الموضوع القديم والجديد من أجل التفرغ للوقوف أمام الصرافات ومراكز توزيع الغاز . وتأمل عبوة الزيت النباتي كيف قفزت ضعفين ونصف ؟!!
د. غسان لافي طعمة