إلى العام 2019
ها أنت لملمتَ أوجاعنا وارتحلت.. عجلة الزّمن تدور وتدور؛ وأنت معها تدور، تاركاً العالَم حزيناً متألماً – ليس على وداعك ورحيلك – لكنْ بسبب ما أحدثته منْ صراعات وأزمات وحروب دمويّة، وكوارث طبيعية، كان من حصائلها أوْجاع وآهات، ودماء وصرخات! السؤال: ألم تخجل أيّها العام المنصرم من أفعالك الناقصة، من عواقب حروبك المؤسفة؟! « فواصلُك الموسيقية » ، مُوجِعةً كانت تقاسيمُها، حزينةً كانت ألحانها، لأنّ ملايين القلوب، بهذا العالَم المُتراحِب، استوطنها ألمٌ قاتل، وحزن دفين! يا عامنا الرّاحل: بستانُك لم يكن وارفاً ولا مُوْرقاً ولا يانِعاً، «عطاؤك» لم يكن ربيعاً وردياً، كان دماً مسفوحاً، وقتلاً وتفجيراً وتهجيراً وتدميراً، بهذا الوطن أو ذاك، بهذه الدولة أو تلك! بعد أنْ قام المُتشنِّعون الإرهابيّون، شذّاذ الآفاق، أصحاب الفكر الظلامي الأسود، باغتيال ملايين مُمَلْيَنة من بسمات الأطفال، أحدثوا بأعماقهم جروحاً غائرة، من الصّعوبة اندمالُها وشفاؤها بالقريب العاجل! بل مخطىءٌ مَنْ ينْعتُ « بستانك » بالشحّ واليباس، ما دام نسغك دماً، وثمارك ضحايا! يا عام 2019 ، بعضهم لقّبكَ بـ (عام السلام)، و(عام الأمن والأمان)، لكنّ ملايين الأناسِيّ من البؤساء والمحرومين والمعوزين والفقراء، لقّبوك بـ (عام الأسى والحزن)! نعم، كنتَ بحقٍ عاماً للحرب الضّرُوس برموزها القاسية، وحصائلها المُحزِنة! أنت يا عامنا الرّاحل، لم ترحم أبناءك – أبناءَ الحياة – كنت تتلذّذ بتعذيبهم وقهرهم وموتهم، بل وتسعد برؤية الدم المسفوح بهذا الوطن أو ذاك، بهذه الجغرافيا أو تلك، وهيئة التنفيذ أشخاصٌ مأجورُون، من أهْمَاج البشر، من أراذلِ النّاس، من الحَمْقى الرُّعاع، لا يعرفون من طراوة الرّحمة إلا اسمها، ولا من الشفقة سوى حروفها، لأنّهم، بعقولهم المقفلة، مجرمون، يتفنّنون بِصياغة بقع الدم وإسالتها، خصوصاً إذا كانت من جسد الإنسان العربي وأوْردته والشّرايين.. إنّ الغزاة الجدد، أو (المُغُول) – ومَنْ أيّدهم وعاضدهم – يريدون أنْ تذعن الجماهير لمشيئتهم، وأن تبقى سنادين لمطارقهم، تأتمر بأوامرهم، وتستجيب لإملاءاتهم، تارة بالتّرغيب، أخرى بالتّرهيب، كما يخضع قطيعٌ من الغنم لراعيه، لكن أنّى لهم تحقيق أمنياتهم المُؤَبلَسَة، ما دام بوطننا ، شبابٌ قلوبُهم نابضة بحبّ الله والوطن: «وحبُّ الوطن من الإيمان» ، مؤمنون بقضية التحرّر والانعتاق منْ نِيْرِ الظالمين الشياطين، والمجرمين الفاسدين! يا عامنا الرّاحل، ها أنت لملمتَ أشياءك البائخة، وصفحات «روايتك» المُوجِعة وارتحلت، كان رحيلك خلسة تحت جُنحِ الظلام، وقتها كانت ملايين الأفواه تتبادل عبارات التّهنئة بالعام الجديد:
* * *
أمّا أحد المسؤولين النّظفاء، فقد قال:
نريده عاماً للعمل الجادّ، نأمل فيه تعبيد الشوارع والطرقات، إزالة المطبّات، الارْتقاء بالتربية والتعليم، تطبيق العدالة دون وساطات وسمسرة، محاربة الفَسَدَة قضائيّاً، إنشاء المزيد من حدائق الأطفال ، الاهتمام الأكبر بالنظافة العامّة، وتفريغ الحاويات منْ حمولاتها المُقزّزة، العمل على تطبيق القانون، وجعله سيّد الموقف، محاربة الرّشى بقوّة القانون، بحيث يكون تطبيقه على الجميع بلا استثناء، محاربة كلّ المظاهر المُخِلّة بحياة المواطنين وأمنهم وسعادتهم..
* * *
هذه العبارات ومثيلاتها، سمعناها عشرات المرّات، بإشراقة كلّ عام جديد، ردّدتها الإذاعات، قنوات التلفزة، وكالات الأنباء، ارتسمت حروفها فوق مباسم الصّحف، والمجلات، على ألسنة المذيعين والمذيعات، باجتماعات المسؤولين وندواتهم وتصريحاتهم، مثلُ هذه التّهنئات تكرّرت كثيراً، لاكَتْها الألسن، مَجّتْها الآذان..السؤال: أيّ خيرٍ عِشناه ونعيشه، والمجرمون يتسبّبون بقتل شباب الأمة، وإزْهاق الأرْواح البريئة، إرضاءً لـ «المُنعِمِين عليهم»، بفتاوى قتْلِ الناس جميعاً، الذين يرفضون إملاءاتهم الظلاميّة؟! أيّ خيرٍ عشناه ونعيشه، والتلاعب بمقدّرات المواطنين، وحياتهم، وأرْزاقهم، وأموالهم، هو الشّغل الشّاغل، لتجّارنا الأشاوِس – تجّار الأزمات؟ الأهمّ: هل تأتي الانفراجات كلّها بالعام الجديد 2020؟ فلا يقضي المواطن نهاره وليله باحثاً عنْ أسطوانةِ غاز هنا، عنْ ربطة خبزٍ له ولعياله هناك، دون أيّ تجريح، هذا هو المأمُول، والمُنتظر!!
وجيه حسن