على الرغم من المساحات الكبيرة من الأمل التي كان يحملها الكثير من أبناء شعبنا في السنوات الأخيرة بعد الانتصار على أكبر حرب كونية تعرضت لها سورية في التاريخ الحديث إلا أن هناك شعوراً بأن هناك ثمة من يحاول سرقة هذه المساحة من التفاؤل وتلك البسمة التي يحاول المواطن السوري أن يرسمها على وجهه في بعض الأحيان ؟
كيف ذلك ..؟
فرحة الانتصار على الإرهاب وتحرير أجزاء كبيرة من الأراضي السورية بلا شك أنه انتصار لكل السوريين لأنهم يشعرون بعودة الأمن والأمان والاستقرار إلى حياتهم التي افتقدوها في سنوات الحرب ، وعلى الرغم من كل ذلك فإن بعض المنغصات التي بدأت تظهر في الفترة الأخيرة جعلت كمية الفرح تتضاءل أمام الحرب الاقتصادية التي تمارس على الشعب السوري فارتفاع أسعار صرف الدولار وارتفاع سعر الذهب وانعكاسهما على معظم السلع التجارية الاستهلاكية اليومية جعلت المواطن في لهاث متسارع مع لقمة عيشه التي بدأت حربها الشعواء في الوقت الذي كان من المتوقع أن تقوم الجهات المسؤولة في الدولة بضبط سعر صرف الدولار وبالتالي ضبط أسعار المنتجات والسلع التجارية ولكن للأسف فإن أي شيء من هذا لم يحصل على الرغم من التصريحات والمبادرات لبعض الجهات التجارية التي أعلنت دعم الليرة السورية وقيامها بإيداع بعض الأموال لضبط حركة العملات الأجنبية ومع ذلك لم تكن تلك المبادرات فاعلة وكانت مثل حبة مسكن الآلام التي يذهب مفعولها مع مرور الوقت ولا تلبث الارتفاعات أن تعاود حركتها في صرف الدولار وارتفاع سعر الذهب وبالتالي انعكاسهما على كافة السلع التجارية.
ففي نهاية الأسبوع الماضي قفز سعر الدولار إلى أكثر من 950 ليرة سورية في السوق السوداء ووصل سعر الذهب إلى أكثر من أربعين ألف ليرة سورية للغرام الواحد وكذلك فإنّ أسعار المواد الاستهلاكية قفزت بشكل مهول فعلى سبيل المثال وصل سعر أوقية القهوة إلى حوالي 1300 ليرة والشاي إلى 1500 ليرة والسكر لأكثر من أربعمائة ليرة وقس على ذلك فإن الكثير بل أغلب المواد ارتفع سعرها حسب خط بياني متصاعد لم يتراجع قيد أنملة عن الأسابيع السابقة ولم تتوقف تلك الارتفاعات على أسعار المواد المستوردة بل طالت معظم المواد والسلع المحلية فالبيض ارتفع بدوره حيث وصل سعر صحن البيض إلى حدود ال 1500 ليرة وكأن الدجاج يتعامل بالدولار أيضاً وكذلك اللبن ومشتقات الحليب والخضار والفواكه حيث وصل سعر كيلو الحليب إلى 300 ليرة واللبن البقري إلى 350 ليرة ولبن الغنم إلى 700 ليرة والبرتقال إلى 250 ليرة والتفاح إلى 500 ليرة الخ ..
الكثير من الموظفين الذين نالتهم زيادة الرواتب الأخيرة شعروا بالغبن جراء الغلاء الفاحش الذي أصاب معظم المنتجات وعجز رواتبهم عن تلبية احتياجاتهم اليومية فالزيادة أصبحت في خبر كان في ظل ذلك الغلاء وصاروا يتندرون على الأيام الماضية وعلى السنوات الماضية التي كان يعيش فيها المواطن في حالة من الاستقرار المالي والغذائي ولا يعاني من تلك الأزمات الاقتصادية الخانقة اليومية التي يشهد فيها كل يوم ارتفاعاً جديداً في الأسعار .. فالتجار كل يوم يبيعون بسعر مختلف عن اليوم الذي سبقه حسب سعر صرف الدولار وبالتالي فإن المواطن وكونه الحلقة الأضعف في هذه العملية فإنه يدفع الفارق من جيبه ولذلك فهو يزداد فقراً لأن راتبه لايكفي في حين أن التجار يزدادون غنى فاحشاً مع الأيام غير عابئين بالمواطن ومتطلباته .. وعلى الرغم من بعض المبادرات التي أطلقت في الأسواق لتخفيض الأسعار رحمة بالمواطنين من ذوي الدخل المحدود إلا أنها لم تكن ذات فعالية كبيرة على الرغم من تجاوب بعض أصحاب المحلات وهي مبادرة بالطبع مشكورة لكونها لامست جانباً إنسانياً ينبغي التنويه به وكنا نأمل أن تكون تلك المبادرة من التجار الكبار كي يشعروا بإحساس المواطن لا أن يوسعوا الهوة وكأن الأمر لا يعنيهم ..
أعتقد أن المسألة على غاية من الأهمية فارتفاع الأسعار أصبح كاوياً ويفترض بالجهات المعنية أن تقوم بالبحث والتقصي عن أساليب وطرق ناجعة لضبط سعر صرف الدولار وبالتالي المحافظة على أسعار مقبولة للسلع تلائم دخل المواطنين من ذوي الدخل المحدود وذلك بوضع قوانين وإجراءات صارمة تمنع التلاعب والمتاجرة بسعر صرف الليرة السورية فأمن الليرة السورية من أمن المواطن السوري وأعتقد أنه آن الأوان للجهات المعنية بكافة مستوياتها أن تضع حداً لهذا التلاعب والمتاجرة بمصائر المواطنين وقوتهم اليومي وأمنهم الغذائي لأن هذا الأمن هو من أمن سورية التي ينبغي عدم المساس به وهو من الخطوط الحمراء التي ينبغي عدم الاقتراب منه والعبث فيه .
عبد الحكيم مرزوق