تحية الصباح…لكنْ.. «ليس مِنْ ثَقْبِ إبرة»!

في بدءٍ: فإنّ العقل العربي بعامّة، حلمَ منذ زمن بعيد، بقيام «فكر نقدي» عظيم، يحاول إعادة التوازن إلى الناس والأشياء والأفكار والمواقف، بواقعنا العربيّ المُتداخِل، والمريض أيضاً، بحثاً عنْ واقع جديد جميل، يوفّر السلامة والانسجام لوعي إنساننا وعقله وبوصلة حياته، يسعى لترميم حطام الأخلاق، وفسيفساء القِيم؛ وكلّما ظنّ الطيّبون والمتفائلون، أنّهم قد حققوا بعض النجاح، وأنّ الحلم الكبير، قد أوشك أنْ يتجسّد على أرض الواقع، ظهر من الإحباطات والمعوّقات والعقبات والارْتكاسات، ما منْ شأنه إغراق الساحة العربية بكثير من علامات التعجب والاستفهام والآلام!! بخضمّ هذه الأحلام الكبيرة، بإيجاد «فكر نقدي» سليم، «يقوم بمثل هذه المهمّة الجليلة»، وفي مواجهة ردود الأفعال العنيفة، ضدّ الأحلام المشروعة، يبرز هامشٌ صغير، ببعض صحفنا المحليّة، لتسليط الضوء على بعض السّلبيات، وبعض الظواهر المُنافِية لأبسط قواعد المسؤولية العامّة، وتبصير المسؤولين عن التنفيذ، – بكلّ مرفق من المرافق العامّة – بالأخطاء الصغيرة أو الجسيمة، التي ترتكبها آفة «البيروقراطية الإدارية»، قبل أنْ يستفحل أمرُها، وتتحوّل، إلى مُعضلة شائكة، تستعصِي على الحلّ، أو تعرقل كلّ الحلول «انقطاع التيّار الكهربائي» تمثيلاً! لكنّ الهامش الصغير، الذي انتزعتْه صحافتنا المحلية والعربية، كثيراً ما كان يُمنَى بالفشل الذّريع، نتيجة الحساسيات – على صِغرها أو جَسَامتها – التي يتمتّع بها البيروقراطيون التنفيذيون، على خلفيّة محاربتهم للنّقد، واعتقادهم السّديمي الخطأ، أنّ أيّ نقد، لا بدّ وأنْ يعرّي عيوبَهم، يصوّرهم للرّأي العام، للمواطنين والمراجعين، وهم بحالةٍ رخيصةٍ من المُراوغة والفشل والزّيف! هنا لا بدّ من التّوضيح، أنّ أيّ نقدٍ مخلص، لا شكّ سيساعد هؤلاء وأمثالهم، على تجنّب الأخطاء، وتلافي المطبّات، وسيكشف لهم أموراً، لا تمتدّ أعينُهم إليها، وقد لا تصل أصداؤها إلى أسماعهم بأيّة حال، أو أنّهم يتغافلونَ عنها لسببٍ أو لآخَر! بهذه الموضوعة، يثار سؤالان: أوّلاً، لماذا يخشى بعض البيروقراطيين، أو كثرة كاثرة منهم، من «النّقد الموضوعي»؟ تالياً، كيف تتحوّل بعض الملاحظات البريئة والمخلصة والصّادقة، الصادرة عنْ مُواطِن ما، عن كاتبٍ ما، أو إعلاميّ ما، أو مُلاحِظٍ ما، إلى مناوشات بائخة، وسِجالات بيزنطيّة، لا مطر وراءها، بين الصحيفة، والجهة المنقودة؟! بين النّاقد، والمَنْقود؟! بين المسؤول والمواطن؟! بهذا الصّدد: النّقد البنّاء في محنة، بينما «البيروقراطية المقيتة المَرْفوضة»، قد تمكّنت بذكائها الإداري المُتثعْلِب، ووجهها البالغ الخباثة والمرُونة، منْ الإساءة إلى العديد من المواقف والحقوق والأشخاص والأوْطان، مثل هذه البيروقراطية البَغِيضة، لا تعجز عن الانقضاض المُبيَّت، على منجزاتٍ عظيمة، أوجدتها الدولة لخدمة مواطنيها، التي تعمل بكلّ طاقتها – وهذا هو المأمول – على إعطاء كلّ ذي حقّ حقه، وإعلاء صوت القانون فوق كلّ الأصوات، إذْ لم يتنبّه البعض – عنْ تقاعسٍ مدروس، أو عنْ قصدٍ مُسبق الصّنع – إلى مخاطر ما فعلتْه – وتفعلُه – البيروقراطية الباهظة، بكلّ وقت، وأيّ فضاء، بمصالح العباد والبلاد، والإضرار بالحقوق العامّة!! إنّ البيروقراطيين، العاملين بهذا المرفق العام أو ذاك، بهذه المؤسسة أو تلك، يعملون – حسب أمزجتهم وثقافتهم وتربيتهم – على إسكات صوت الحقّ، صوت النّقد البنّاء، سواء صدر هذا الصوت أو ذاك، عنْ مُواطن، عنْ صحافي، أو كاتب، أو إعلامي، أو عنْ شخص عادي، أو ناقدٍ عاقل، لا فرق، والبيروقراطيون لا يهمّهم كلّ ذلك في شيء، لأنهم كثيراً ما يأخذون في تعاملاتهم مع الآخَرين بالقول الصّقيع: «أذن منْ طِين، وأخرى مِنْ عَجِين»! حيال هذه المواقف السّلبية بالغة الوجع ، كيف السّبيل لمحاسبة هؤلاء ومحاربتهم؟! كي يتمكّن المُواطن العادي من الحصول على حقوقه كاملة، بأقلّ الخسائر، وأدْنَى المتاعب؟! كيف تبقى مؤسّساتنا العَتيدَة، تحافظ على صِدقيّتها مع المُواطن «الغَلبان»، إذا كان أمثال هؤلاء يتعاملون مع أبناء وطنهم بهذه الصّور المُسْتَهجَنة، وهذه المواقف المرفوضة الآن، وفي كلّ آنٍ، لأنّها حقّاً تسيء إلى شموخ «سوريانا» المقاومة، وتحديّاتها المشهودة، وترفض الإذْعان لنصوص القوانين، لِمَنْ كان له قلبٌ سليم، أو توخّى رؤية واقعنا المرير، لكنْ «ليس مِنْ ثقب إبرة»!!

وجيه حسن

المزيد...
آخر الأخبار