هجرة جماعية شهدتها السنوات القليلة الماضية، لكبار نجوم شاشة السينما العربية محليا وعربيا، إلى الشاشة الصغيرة، فالدراما التلفزيونية الرمضانية خطفت بريق الشاشة الذهبية وسحبت البساط من تحت الدراما المسرحية، حققت وتحقق انتشارا أوسع بين الجمهور، لأنها ببساطة متوفرة في أي وقت وفي كل بيت، كما أنها ذات مردود مالي أعلى لمن يتاجرون بهذه البضاعة الرائجة سلفا –إلا عندنا للأسف-، ويمكن الجزم بكونها متفوقة اليوم وبما لا يُحمد عقباه على الدراما السينمائية والمسرحية معا، اللتين كان لهما الفضل الأكبر في تربية الذائقة الجمالية والفكرية أيضا عند الناس مع فنون أخرى كالشعر وألعاب خيال الظل وغيرها، كما وأنها تتماشى بـ «مطمطتها» لثلاثين يوما، مع طبيعة الحياة اليومية للإنسان العربي عموما، الذي يمكن له أن يستغني عن (5) ساعات في فترة الصحو وما بين ذاك وذاك تصبح متابعة الأعمال الدرامية للكثير من الأشخاص هي تسليتهم الوحيدة، ومنهم من يأخذ إجازة من عمله ليتفرغ لصيام النائم وسهر المتابع اللدود للمسلسلات التلفزيونية، محاولا وضع برنامج يمكنه من حضور أغلب هذه الأعمال حسب مواقيت عرضها، وبين الحين والآخر يبدي رأيه على صفحته الزرقاء في هذا العمل أو ذاك، منها آراء نقدية اختصاصية، ومنها آراء عفوية وأكثر صدقا وتهكما من تلك النقدية، وظرافتها أنها تأخذ الموضوع من باب الطرفة، فتحيل أي عمل درامي لا يعجبها إلى «شغلتها» كما يقال، فمثلا بقيت شخصية «أبو عصام» العائد من الموت، مصدر تهكم لم ينته حتى اللحظة، ومنها ما هو سلبي جدا وصل حد البشاعة لا القبح «فللقبح جماله أيضا».
إلا أن هذه الهجرة غير المسبوقة لكافة مميزات العمل الفني السينمائي والمسرحي، سواء تلك التقنية منها «الإضاءة، أسلوب التصوير بالكاميرا الواحدة الخ» أو البشرية «نجمة الشباك الأولى، بطل الخشبة الذي يبتلع الجمهور بأدائه البديع»، تركت فراغا كبيرا في الساحة السينمائية، التي هجرها أعز أهلها، هجرة ستظهر عوارضها الرجعية على فن السينما تباعا، -لم يكن أول هذه العوارض ظهور أفلام «الظاظا والحاحا وبحبك يا حمارّ، وصندوق الدنيا» وغيرها من الأفلام التي لا صفة فنية تحملها من شروط الفن السينمائي إلا اسمه ولن تكون نهايتها عند ما لا يُصدق حتى والعين تنظر وترى-، ولتترك الدراما التلفزيونية فن السينما وغيره من الفنون وراءها بأشواط بعيدة، كما فعلت – السينما- بالمسرح!.
هذه الهجرة إضافة إلى العديد من الأسباب التي تم ذكرها سابقا، جعلت شركات الإنتاج الدرامي، تطلب أعمالا تحقق عناصر الفرجة المتزايدة التي تشد الجمهور الملول بطبعه، حسب سوق العرض والطلب، ما جعل الدراما التلفزيونية بحاجة لأن تقوم بالاستحواذ على العديد من الميزات الفنية التي كانت تتمتع بها السينما والمسرح، باعتبار أن المشاهد في كل من السينما والمسرح هو من يختار ماذا يريد أن يشاهد وما لا يريد.
المزيد...