يجمع كثيرون أن شرط الكلام أن يسمع ، وبراعة الاستماع إنصات فيه عميق تأمل ، وحسن انتباه ومآل ذلك يقظة تفاعل خلّاق قوامه التواصل الغني التواشج ما بين مرسل ومتلق، قاسمها المشترك روعة في حوار بناء يحلق في مرامي التفكير الحذق المتبادل وقد كان نتاج ذلك ولادات لفكر وتناغم لأفكار ، وتبلور لعبر ، وتأملات في رؤى ، وثراء مآلات من جديد واقد من تلاقي عقول ، وتراحم قيم ، وأصالة إبداع يرفل في أروقة الخير الناهض نوراً من مدارات الوعي البنّاء خيراً وسعادة ، غنى إنسان بإنسان وفكرة بفكرة ، وموقف يربح لحيثية من زمان كان الاستثمار فيه ، وبه لكل من قدرات كل من مرسل ومتلقِ، وللزمان من تحقيق جني في واحة في مساحات زمان .
هو الكلام الشفاهي سرح عزيمة تتقد فتوة بمخزون مبدعها ، و ألمعية حضوره في دروب الحياة ومسالك العمل واجتهادات القيم المضافة عبر إعمال للتفكير ، وسعي نحو حثيث كل ابتكار ، فلا يغدو الكلام وفق ما سبق من توصيف مجرد كلمات مصفوفة قوتها في نطقها فحسب أصواتاً بل بتقانة ترفيقها وترتيبها ، خيطها الشعوري مضمون إبداعي ، ومرجعيات بحوث ودراسات وعقول طافحة لسردية كل اجتهاد وابتكار , وما بين ضفاف تسدد الخطا ، ومواكب الأفكار في جريان المضامين الجديدة ، فالإبداع يولد إبداعاً يروح المدى آفاقاً يرسم جمال المتناهيات والمتباعدات أفكاراً ، لكأنها ذاك المنقذ الصقيل من سراب يحسبه العطشان ماء فيحث إليه الخطا لا طمعاً بجشع ، بل طموحا ً ببحث، وقد أغراه الجمال صوب جمال معرفي أخاذ ، و إذ بالسراب يصير وفق فاعلية البحث والتّقصي مراد الحذاقة في سعي دؤوب نحو تكاملية شذرات ضياء في مواكب أفلاك من نور يطرّز المزيد من مشرقات المفهومات والمصطلحات وعوالم العلوم والأبحاث لتأتي الكتابة التي وجد فيها الفلاسفة اليونانيون أنهارا من مكملات الكلام تأسيس حروف في صوغ كلمات سوداء وفق مدادها على قراطيس بيضاء لكأنها اللامعات نجوماً بمدادها معرفة ومكلول معارف ، وقد أخذ القلم بدلالته ماضياً ، وحاضره تقانة دوره حيث يسحب القلم ذيله يتهيأ في رياض الفكر تهدهده ملكات عقلية عبر مؤشرات لحدود منطقية من جانب ، وتداعبه همسات عاطفية تلامس ذوائب الوجد فياضة بأحاسيس و انفعالات لكأنها اتقاد الجمر في مواقد اللهفات ، واكتناز الهيام في خفايا الآمال الواعدات ملوحة على هامة شفق وردي يمد رؤاه على أجفان المدى المحموم بألف سؤال وسؤال
إنه القلم المسافر عصراً عبر مفازات كل تفكير ومطالع كل تصورات وبطاح كل صعيد يحاكي فيه الثنايا تفاصيل وقائع ، وعريض عنوانات ، وهمهمات كل ارتعاشات على شفاه أرجفها صقيع الوجع في مكان أو أودعها السكينة في سعادة طمأنينة بال أو أفسحت لها في ميادين الابتكار مكاناً ، ومجالس التفكير مدارس وحلقات بحث في عوالم الحياة يصعدها كلها ليأتي القلم في عميق معناه دلالة مكانة أنه المنظر الأسمى لحرية الإنسان تعبيراً في قناعات ونباهة في تأمل ، و عبقرية في إبداع .
إنّه القلم قيثارة الصوت الدافئ الحنون في شغاف قلوب تذيبها أصوات حروف تنسج رفيع الخيوط المذهبة تطبع الإنسان بعبق الطبع الإنساني النبيل الدافق شلال محبة وحب وخير وتسامح وبراعة استيعاب وسبق ردة فعل أرقى لفعل ، ربما أقصى ، فثقافة قلم مثقف تتجاوز حبراً على ورق ليورق عرائش كروم في سعادة الرؤى .
والطافح عقلانية تدبر في سعة تفكير ، وغنى ثقة بالنفس ليأتي القلم آلة بين أصابع إلى وقع نغم رزين في دنيا الوجد في مضادات الوجدان ، ودوي الصوت ، قوة بيان وسحر إبداع بلاغة في تعبير ، وثراء في ثقافة ،وسرحاً بأسلوب ، وتمايزاً في قرارة ، وتاريخا من عقود في مهارة ، وزاداً في مؤنة تبدعها الحصافة وتقولها الأيام والسنون ، و برقي التلقي تتكامل حروف عبارة قالها الأقدمون : فلان ذو قلم .
نزار بدّور