أعترف بأني مدين للشاعر حامد حسن –طيب الله ثراه –بمعرفة الشاعر المكزون السنجاري فقد بدأ بالكتابة عنه منذ أربعينيات القرن الماضي ونشر ما كتبه في مجلة القيثارة التي كانت تصدر في مدينة اللاذقية بين الشهر السادس من عام ستة وأربعين والشهر الخامس عام سبعة وأربعين ،فقد قرأت أعداد القيثارة الاثني عشر بشوق ولهفة ،إذ كانت مجلة ثقافية رفيعة المستوى ،ولوزارة الثقافة الشكر الجزيل بإعادة نشر أعدادها في مجلد واحد وذلك عام ستة وألفين .
وأعرف أن الشاعر حامد حسن جعل الشاعر المكزون موضوع أطروحة جامعية عالية .وقد عرفت أن المكزون ولد أواخر القرن السادس الهجري في بلدة سنجار من أعمال الموصل وأن عصره –القرن السابع –عصر اضطراب وفوضى وبدع وآراء ونظريات ومشاكسات وجدال …وذلك نتيجة تزاوج الثقافات وامتزاج الحضارات ،وفي هذا العصر المضطرب جاء المكزون يصور تلك الفوضى تصويراً دقيقاً ويناقش الآراء نقاشاً علمياً بقوة منطق ونصاعة بيان سالكاً طرق المتصوفين ،فآمن المكزون بوحدة الوجود يقول : «يا قريباً من الأشياء بلا ملامسة ،وبعيداً عنها بلا مباينة ،ولست بوالج في الأشياء ولا بخارج عنها ،لا تقع تحت الزمان والمكان ،بل أنت مرآة صافية تعكس صور الموجودات يراك كل بحسب طاقته ،وسواك ما يرى لأن الرؤية حد ،وأنت لا تدخل في الحدود» .
كل يراك كعينه إذ كنت مرآة الوجود
وسواك ما يبدو له فيغيب في حال الشهود
إذ لا يجاوز حده وسواك يدخل في الحدود
وقد عارض المكزون كثيراً من الشعراء ومنهم ابن الفارض في قصيدته التي مطلعها :
سائق الأظعان يطوى البيد طي
منعماً عرج على كثبان طي
بقصيدة مطلعها :
شغل القلب هوى عذب اللمي
عن هوى ليلى وعن حب لمي
وقد درج المكزون على طريقة الشاعر أبي تمام في البديع فأكثر من المحسنات البديعية ،وهذه المحسنات كانت عبئاً ثقيلاً على الشعر العربي حمله أبو تمام لمن جاء بعده .
وكان المكزون على علاقة حميمة ببعض العلوم كعلم الطبيعة وعلم النفس والمنطق،واللغة والصرف والحساب والهندسة .
وللمكزون كوميديا تقع في ألف بيت مسرحها الجنة والنار والحساب من ثواب وعقاب ،أضفى خياله عليها نسيجاً محكماً من الإبداع والفن .
د. غسان لافي طعمة
المزيد...