على الرغم من الارتفاع الجنوني للأسعار إلا أن هناك من لم يدع مناسبة عيد الحب تمر دون أن يقدم هدية لمحبوبته وكذلك فعلت الكثير من الفتيات اللواتي بادلن الهدية بهدية في عيد الحب الذي احتفل به كل المحبين على الكرة الأرضية وإذا كان البعض قد اكتفى بهدية رمزية إلا أنها على الرغم من كل شيء تبدو غالية وثمينة في ظل الغلاء الفاحش لكافة السلع.
أعتقد أن معظم الناس فهموا عيد الحب على أنه خاص بين الرجل والمرأة فقط ، وهو في الواقع أعمق من ذلك بكثير فالحب كما أرى يفترض أن يتم فهمه على أنه حب لكل الأشياء الجميلة التي تحيط بنا فالإنسان لا يمكن أن يعيش دون حب للأشياء والأشخاص الذين يحيطون به فمثلاً الإنسان لا يستطيع أن يتعامل مع أصدقائه وزملائه وجيرانه وكل الأشخاص الذين يقابلهم في الحياة بعدوانية وبدوافع شريرة لأنه إن فعل ذلك فلن يستطيع إنجاز أي شيء إيجابي ولذلك فإن الحب هو الدافع الأول والأساسي في التعامل مع كل هؤلاء وبالتالي يمكن بذلك للحب أن يحقق أفضل أساليب التواصل مع الأشخاص الذين يقابلهم يومياً.
وكذلك الأمر ينطبق على المكان فالإنسان لا يمكن أن يعيش أو يعمل في مكان لا يرتاح فيه ولا يحبه لأن هذا سوف يؤثر على نفسيته فأهمية المكان تكمن من خلال ذلك التآلف الذي يحاول الإنسان أن يحققه سواء في بيته أو في الحي الذي يقطنه أو في مكان العمل الذي يرتاده يومياً ولعل المسألة تتخطى هذا الأمر لطبيعة العمل الذي يمارسه فالشخص الذي لا يحب عمله لا يمكن أن ينجح به ولا يمكن أن يحقق أي تقدم فيه ولذلك فإن شرط النجاح والإبداع أن يعمل الإنسان عملاً يحبه ففي هذا الحب تكمن شيفرة النجاح التي ربما لا يستطيع الكثيرون فك كلمة السر الخاصة بها.
إذا عدنا للتاريخ وللأسباب التي جعلت العالم يحتفل بـ «الفلنتاين» نجد أن إحدى الروايات تقول :
إن فالنتاين الأول كان كاهنًا خلال القرن الثالث في روما، وسُمي (فالنتاين روما)، وعندما أصدر الإمبراطور كلوديوس الثاني قرارًا بحظر الزواج على الشبان ليزيد تعداد جنود جيشه، تحدى الكاهن فالنتاين قرارَ كلوديوس واستمرّ في تزويج الشباب سرًا، وعندما تم اكتشاف الإجراءات أمر كلوديوس بسجنه ثم إعدامه بحلول 14 شباط/ عام 278 ميلادي.
وهذا يعني أنه كان من الأشخاص الذين ينادون بالسلام والمحبة بين الناس وليس بالقتال وسفك الدماء ولعلنا نجد الآن أن الدول العظمى في العالم تنحو منحى تلك السلطة الامبرطورية في جعل الناس يقتتلون ولعل المثال الأوضح والأنصع ما تفعله القوى الصهيو أمريكية في العالم حيث تقوم بزرع الفتن وشن الحروب وتقسيم البلاد وتفتيتها خدمة لمصالحها الاستعمارية في نهب ثروات البلاد أولاً وإضعاف الدول ثانياً حتى تبقى تلك الدول الاستعمارية هي المسيطرة على العالم …
هذه هي نظرة الدول الاستعمارية الدموية التي لا تعترف بشيء يسمى بـ «الحب» لأن تلك الدول لو كانت تعرف قيم الحب والسلام لما كانت قتلت ولا دمرت ولا افتعلت الحروب عبر التاريخ وإذا كان ثمة حب فإن هذا الحب هو حب دموي متطرف من جانب واحد حب لا يريد الخير إلا من طرف واحد هو الذي يصب في مصلحة الدول الاستعمارية حتى لو كان ذلك فيه فناء العالم .. هذه هي النظرة المريضة في الحب التي تراها الدول الاستعمارية وهي نظرة مدمرة وقاتلة ولعلنا نجد عند بعض الأشخاص في الواقع هذا النوع من الحب الذي لا يمكن أن يستمر أولاً وبالتالي يكون فعله هداماً لا يمكن أن يتم التعويل عليه في أي إنجاز علمي أو حضاري .
الحب الحقيقي يمكن أن يحقق إنجازات كثيرة على صعيد العلم وفي مختلف المجالات فالحب هو الذي يبني الإنسان أولاً وهو الذي يبني الأوطان ثانياً فالوطن الذي فيه أناس محبون يشيدون المدارس والمشافي لدوام الصحة والجامعات للتقدم الحضاري والتكنولوجي وهو الذي يجعل البلدان مزدهرة علماً وثقافة وهي التي تنعكس حضارة ورقياً عند الشعوب كافة .
الحب هو مفهوم واسع وكبير لا ينحصر فقط عند الحب بين الرجل والمرأة اللذين يكونان أصغر حلقة في المجتمع الكبير وهما يختصران ذلك الحب الواسع حين يلقنان أبناءهما دروسا في أن الحب هو أن يحب الإنسان كل شيء في حياته البيت الذي يسكنه وأفراد أسرته وأقرباءه وأصدقاءه وكل من يلتقيهم وأن يحب البيئة التي يعيش فيها وشوارعها وأشجارها وبيوتها وأطيارها وكل شيء يحيط به لأنه حين يفعل كل ذلك يقوم بوضع لمسات الجمال على كل شيء يصادفه فيصبح الكون أجمل وبذلك يكتمل المعنى الحقيقي للحب الذي يخلو من الكراهية والأحقاد التي تهدم ولا تبني .. فكم نحن بحاجة للحب الذي يجعل الحياة أكثر جمالا وإشراقاً .
عبد الحكيم مرزوق