جاء لأهله في إجازة من ساحات القتال والدفاع عن الوطن ضد المجاميع الإرهابية والظلامية ، جاء وهو يشعر بخلل في الرؤية بعينيه ، وصل لبيته وسلّم على أحبابه بعد غياب ، و أخذ قسطاً من الراحة بعد سفر طويل دام أكثر من خمس ساعات،فالطريق ليست بالقصيرة بتعرجاتها التي خرجت عن الأوتوسترادات المعتادة بسبب الحرب الظالمة على الوطن ، فكانت مسافة الطريق ضعف مسافتها وزمنها أكثر من ضعف الزمن المعتاد ، وبعد راحة قصيرة في بيته قرر الذهاب إلى طبيب العيون ليعرف ما سبب خلل الرؤية لديه ، ذهب وهو يضع يده على قلبه كم ستكون كلفة هذه المعاينة ، وأنها لن تكون قليلة بنظره ، فاستجمع قواه وقرر الذهاب مهما كانت النتيجة ، لأن كل المال لا يساوي فقدان النظر أو خلل يحدث له ، فذهب لطبيب في حيه دون اختيار ، دخل غرفة الانتظار ريثما يأتي دوره في المعاينة ، و مازال يدور في عقله كم ستكون المعاينة ، فجاء دوره ودخل إلى غرفة الطبيب وجلس أمام الأجهزة الخاصة بفحص العين ، وخلال الفحص سأله الطبيب ما العمل يا صديقي ؟ أجاب الشاب أنا جندي في الجيش السوري وقد عدت للتو من ساحات القتال ، وأكمل الطبيب فحصه لعيني الشاب مع بعض الدردشات المتبادلة ، وعند الانتهاء من الفحص ، قام الشاب من كرسي المعاينة يسأل الطبيب كم سأدفع للسكرتيرة يا دكتور ، أجاب الطبيب : لن تدفع شيئاً يا صديقي ، استغرب الشاب كلام الدكتور متسائلاً لماذا يا دكتور ؟ قال له الطبيب : أنا لا أتقاضى أجر معاينة من كل من يدافعون عن الوطن عندما يدخلون لعيادتي لفحص عيونهم ، ولأنك مقاتل تدافع عني وعن الوطن ، فهل استكثرت عليّ أن أساهم بثمن المعاينة لك مجاناً وأنت تساهم في الدفاع عني وقد يكون ثمن دفاعك روحك أو بعض جسدك ؟ خجل الشاب واحمر وجهه واغرورقت عيناه بالدمع لسماع مثل هذا الكلام الطيب من هذا الطبيب ، فودعه شاكراً، وعند عودته لبيته قص على أهله ما جرى له عند طبيب العيون ، وهو يتلفظ بعبارات تتحدث عن إنسانية هذا الطبيب وإكباره له وإعجابه به 000 فمن هذه القصة القصيرة التي حدثت مع فرد يمكن قراءة شعب ، فما تصرفه هذا الطبيب الإنسان ليس حالة فريدة بالتأكيد ، بل هناك الكثير من أمثاله في الوطن ، وبهكذا أناس انتصرت سورية على أعتى هجمة بربرية من عشرات الدول ومئات آلاف المسلحين جاؤوا من كل أصقاع الدنيا ، فوطن يوجد فيه أمثال هذا الطبيب لا بد منتصر على أعدائه مهما طالت الحرب ، ومهما كان عدد الأعداء وعدتهم ، إنها شهامة السوري وإنسانيته التي جاءت من عمق التاريخ والحضارة ، فبتضافر جهود أبناء الوطن وتعاونهم ومحبتهم لبعضهم النصر مؤكد .
صالح سلمان