لا شك أن شرط القول هو الحقيقة , التي يشاطرها واقع موضوعي ومنطوق ذاتي يختزن فيض وجدان وسعة خبرات وغنى تجارب . وما بين هذا وبين ذاك يقوى وعي التعبير على قدر ثراء الروافد المعرفية , التي تصقلها قراءات معرفية نوعية الاختيار , مكينة الدسم في نواتجها ومعطيات معارفها نبوغاً فلسفي الرؤى , سديد المنطق , بنّاء للقناعة في صميم أنفاس الحياة حتى لتبدو الأفكار سيولة ذهنية تفيض بها مفردات دقيقة المعنى وعميقة الدلالة تباشر المعنى ولا تستكين إلى ترادف فتصير بذلك السيولة الذهنية أفكاراً وعياً منظوراً في كلمات على سطور , أو منطوقاً شفوياً شفاهياً ما بين شفاهية وكتابية , فبكليهما تصير الأفكار مدركة تقميشاً لفظياً وعلى متسع الوعي معارف وخبرات ومهارات وعلوماً و أفكاراً ونظريات. تراها في ثنائية ما سبق على شفاه واعيات هي كلمات إنها « بنات الشفاه » .
إنها الكلمات . إذ في البدء كانت الكلمة .. الحقيقة المطلقة فيض نور يشرق بأبهاء الخير ما يفوق ما بين أزل و أبد عبر مضمار الوجود سطوع وعي كلي لمرامي الخلق و الإبداع وشتى العلوم ومنجزات العقل البشري آفاقاً في نظريات وتطبيقات في تقانة و اختراعات في كل ابتكار فالعصف الذهني هو ذاك المقدح لفكرة تليدة في زحام كثير من مألوف لكنها تبدو صرحاً من مصطلح أو سارية في شراع يعلو صفيح ماء في مدى مفهوم ما .
هذا كله معنى التواصل ما بين شفاهية وكتابية وتقانة في تتالي عصور وتعاقب أجيال ضمن سردية الحياة البشرية للكلمة هذا الفضاء الرحب في كل تواصل أكان مثالياً أم إبلاغياً مجازياً ليرسم معنى الحضور الإجرائي للإنسان أو الابتكاري له مكانة حصافة أيقونة على جيد الزمان في كل علم وفن .
هي الكلمة في عذرية طهرها صدق انتماء للعقل الحصيف المنتج رقي آراء نعيم ضفافها ورود و أقاحٍ , شذاها عبق مكرمات لمعنى لقاء الإنسان بالإنسان نباهة عطاء وسمو عمل .
وهي الكلمة الخلية الأولى التي تحمل سر الحياة في التعبير لتغدو الأمضى من أي سلاح , فالكون ملك العبقرية وحدها … عبر قناديل قوافي الشعر وفصاحة النبل في شهامة الضمير وحنو رائعات المشاعر على سجايا نفح طيب لارتعاشات وجدان لوجدان فتمد الكلمات حروفها أنامل تلامس شغاف حق الحياة في لقاء شطوط تنشد مزيداً من حب ومحبة وساميات آفاق رحبة من صدق وعي متبادل , مرجعية ذلك عمل , أياً كان نوعه , أداءٌ نوعي يشار إليه مُنتَجاً و إلى صاحبه منتِجاً بالبنان سعادة تألق في مرامي كل تفرد ما امتد الزمان وتباينت قناعات , أو تماوجت أمزجة .
هي الكلمات … بنات الشفاه لا تفلح في غواية رزين إذا ما كانت خاوية من صدق في قوة مضمون وبراعة منطق وحيوية حضور لذاتها أو صاحبها مهما حاول أن يجود بكياسة مجاملات عبر مفردات متفق عليها ضمن مفتاحية تسول على أعتاب وهن مقابل حاجة وغياب مشروع من تفكير ومهما حاول تثمين تلك الكلمات متوهماً أنها خِراف ينحرها على قدمي تسول في ضعف , إذ لا يستطيع أن ينبس ببنت شفة لعجزه عن مضمون يحمل دهش تعبير وارتواء مضمون .
هي الكلمات إرادة الشفاه الواعيات لمضامين فكرية , زادها عقول تشربها المبدع المثقف حضوراً أو سطوراً من عقول ولدت من خدر عبقريات أصحابها عبر متسع الكون ما بين ماضٍ وحاضر وما يجود به المستقبل أيضاً .
أجل إنها بنات الشفاه فيض الشذا من أكمام الورود ومكين المفهومات والمصطلحات في إعلاء شأن العقل على مطالع دور الفرد .. الإنسان الطالع نبوغاً ينادي الحياة في كل جوانبها !