إلى صديق ارتحل من غير وداع:
يبكيك مثلي يمام الدار و الشفق
و موكب الطير و الأشجار و الألق
و النجم في الليل يبكي فرط وحشته
غاب النديم الذي من نبضه العبق
و الكرم يسأل عن كرّامه لهفاً
و عن ترانيم من عينيك تنطلق
و الصحب يبكيك إذ كنت بحضرتهم
كالسيف زهواً إذا يجلى و يمتشق
بالأمس كنت إذا الأقدار تدهمني
أرى محياك مثل الصبح ينبثق
ظلين كنا و كان الفقر ثالثنا
نسعى و تهرب من قدامنا الطرق
طوراً أرى الدمع من عينيك منسكباً
و تارة كاحتراق العود تحترق
و مرة تسدل البلوى ستائرها
فأسمع الآه في الأعماق تختنق
لم يلوني الحزن إلا حين غادرني
زين الشباب و مات الغصن و الورق
و غاية القلب أفياء نلوذ بها
قيضاً و يمرع في أحواضه الحبق
يا للملمات تأتيني على عجل
كأنها الليل يبلوني و ينطبق
يا قبر رفقاً بمن كانت شمائله
تلوّن الصبح قرميداً و تأتلق
إن تغلق الباب أغلقه مواربة
لا تجعل الباب خلف القلب يصطفق
قد ينزل البدر مخموراً يسامره
فيشعل القبر قنديلاً و يرتفق
أ . محمد حديفي