فرضت موجات جنون الأسعار المتلاحقة أعباءها على ذوي الدخل المحدود وصغار الكسبة ما انعكس على سلوكياتهم المعيشية وأخذ أغلبهم يناقلون بين أولوياتهم اليومية ويربطونها قسرا بمقدار الدخل اليومي وتراقص الأسعار ولاسيما بعد اشتعال نيران الأسعار والتي تشمل جميع المواد الاستهلاكية وغير الاستهلاكية …
كيف تؤمن معيشتها ؟؟
الدخل المحدود و المصروف المتنامي … طرفان في معادلة معقدة احتفظا بمكانتيهما في وجه المواطن الذي لم يجد حلاً لواقع مفروض عليه … ومحفظته تعلن استسلامها أمام الطرف الأقوى رافعة الراية البيضاء في الثلث الأول من كل شهر لتبقى حركة الأسعار متربصة لشن هجومها كل يوم تقريبا على الأجور رغم تأكيدات الجهات المعنية بضبط حركة الأسعار إنها تبذل قصارى جهدها للحد من تراقصها .
ونشير في هذا المجال إلى أن مديرية الإحصاء بالمحافظة توافي الجهات المعنية كل شهر بحركة الأسعار إذن هي مطلعة وعن كثب على واقع معادلة الأجور والأسعار والسؤال الذي يطرح نفسه كيف تؤمن أغلب الأسر السورية معيشتها؟؟!!
وحول هذا الواقع الذي يبدو مستعصياَ أجرت ( العروبة ) بحثا استقصائيا والتقت عدداً من الأسر والشباب وكانت الحوارات التالية :
ضريبة صحية .. بالتقسيط
أحد العمال قال : إن معظم من ينتمون إلى شريحة ذوي الدخل المحدود اليوم يعانون ضيق ذات اليد والأسعار متحركة صعودا والرواتب أرقامها لم تقاوم – رغم الزيادة الأخيرة – وكأنها في ثبات .. لذا أنا مضطر للعمل أيا يكن هذا العمل وحاليا أعمل سائق تكسي بعد انتهاء دوامي مشيراً أن لهذا العمل ضريبة صحية يدفعها جسده بالتقسيط ..
أحد تجار النصف جملة قال : إن هامش الربح تأثر نتيجة لجنون الأسعار التي شملت كل شيء فقد كنت أبيع عددا لا بأس به من موجودات المحل والآن انخفضت نسبة البيع بسبب جنون الأسعار الذي لا يرحم … وضبط الأسعار بشكل فعلي بصراحة يكون التجار وضعاف النفوس الذين لا يهمهم إلا زيادة أرباحهم ولو كان ذلك على حساب لقمة العيش لعدد كبير من المواطنين .. مشيرا إلى أن الدخل الحقيقي للأسرة يتناقص باستمرار في حين أن الدخل النقدي يظل كما هو فبالتالي معدل الزيادة في الأسعار أكبر من معدل الزيادة في الرواتب
تراكم العجز شهرياً
أبو أحمد متقاعد ولدية أربعة أولاد وجميعهم في عمر الدراسة من الابتدائي إلى الثانوي أكد أن دخله وزوجته لا يلبي احتياجاتهم المعيشية أكثر من نصف الشهرخاصة بعد أن أصبح المصروف اليومي يتجاوز في حدوده الدنيا 3 آلاف ليرة للعائلة المتوسطة العدد يوميا هذا خاص بالمأكل فقط أضف إليها المنظفات والملبس وتأمين حاجات الأولاد وأجرة البيت … فالعجز الشهري الحاصل يتراكم مشكلا واقعاً صعباً ..
أبو تمام معلم تنجيد سيارات تحدث عن معاناته في تأمين حاجات أسرته المؤلفة من ثلاثة أطفال قائلا : ضاقت بي الأحوال خلال سنوات الحرب وساعدني الأصدقاء لافتتاح بسطة أمام المنزل الذي أستأجره وأنا أعمل حوالي /12/ ساعة يوميا ومدخولي لا يغطي مصروفي رغم كل إجراءات التقشف.
اللحم بألوانه … يحلق
في جولتنا على أسواق المدينة لتحري أرقام الأسعار تبين أن الأسعار طرأ عليها ارتفاع كبير بدءاً من ربطة البقدونس وصولاً إلى اللحم بألوانه (الأبيض و الأحمر)
و قال أحد أصحاب المحال الذي رفض الإفصاح عن اسمه : إن أجور النقل ارتفعت كما الأعلاف والأدوية وهذا سينعكس بطبيعة الحال على الأسعار المتداولة .. وطبعا هذا الارتفاع لم يقتصر على المداجن بل شمل حتى المحاصيل الزراعية التي تأثرت بارتفاع الأسمدة والأدوية وأجور النقل واليد العاملة فقط وهذا ما أدى لتحليق الأسعار.
نشرات التموين ..واقعية ومنصفة
وفي تصريح للعروبة ذكر المهندس رامي اليوسف مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حمص أن المديرية معنية بوضع لائحة بالأسعار بما يتناسب مع الأسعار الرائجة و بعد دراسة دقيقة للسوق بالتعاون مع فعاليات متعددة في المحافظة و أوضح أن النشرة الموضوعة منصفة للطرفين البائع و المستهلك و فيها هامش ربح يقدر بنسبة 30% ..
نيران الأسعار تؤججها أطماع التجار
وعند سؤالنا عن تفاوت الأسعار و اختلافها عن النشرة أوضح اليوسف أن الأسعار توضع بعد دراسة واقعية و بالتنسيق مع مختلف الجهات و إجراء سبر دقيق للأسعار علماً أن أسعار المواد الموضوعة في النشرة للأصناف من النخب الأول و يسمح إضافة أجور النقل الفعلية من المدينة إلى محال الريف والمناطق على ألا تتجاوز الحد الأقصى المحدد مؤكداً أن النوع الثاني يحدد بسعر أقل بنسبة 20% عن النوع الأول ويتوجب على كل حلقات الوساطة التجارية تداول الفواتير التجارية طبقاً للأسعار المحددة مؤكداً أنه في حال انخفاض الأسعار عن الأسعار المحددة تطبق قرارات نسب الأرباح النافذة ريثما تصدر النشرة التالية..
تقديم شكوى … بات ضرورة
و أوضح اليوسف أن المواطن معني بشكل كبير بضبط الأسواق و ذلك من خلال التواصل مع المديرية أو شعبها بشكل هاتفي أو مباشر لتتم معالجة الخلل ..عندما يشعر المواطن بأنه يتعرض لأي ابتزاز و تساءل اليوسف عن الآلية التي ستتمكن عبرها كوادر المديرية معرفة مكامن الخلل إذا لم يتواصل معنا المواطن المعني بالضرر بشكل مباشر؟؟
وأكد اليوسف أن للمواطن دوراً محورياً و مهماً في الإبلاغ عن أي مخالفة على الرقم المجاني 119 لتتم محاسبة المخالفين في المدينة و الريف على حد سواء ..
استقرار على كافة الصعد
الواقع المعيشي الجيد سينعكس بالضرورة إيجابا على السلوك الاجتماعي للأسرة ويحفزها على العيش بنوع من الاستقرار الاقتصادي الذي سيؤدي وبشكل حتمي للاستقرار النفسي لأفرادها …
الباحثة الاجتماعية حلا حمدان أشارت إلى أن الواقع المعيشي مهم جدا لإضفاء الراحة النفسية على جو الأسرة لكن ليس القصد هنا أن يكون الراتب أو المدخول مرتفعا بل على الأقل أن يغطي احتياجات الأسرة من مأكل وملبس وطبابة والاحتياجات الأخرى من غاز وكهرباء وهاتف مشيرة إلى أن الواقع الحالي لمعظم الأسر السورية مدخولها لا يغطي نصف احتياجاتها الضرورية مقارنة بمصروفها مايجعل هذه الأسر تعيش حالة من الضغوط الاقتصادية التي تولد بطبيعة الحال ضغوطا نفسية على جميع أفراد الأسرة خاصة إذا لم يكن لديها من يرفدها بدخل إضافي كعمل الزوجة أو أحد الأبناء .. أو .. لافتة إلى أنه من شأن هذه الضغوط أن تؤثر وبشكل سلبي على العلاقات داخل الأسرة وقد يؤدي في بعض الأحيان لخروج أحد الأبناء من المدرسة للمساعدة في تأمين الاحتياجات المعيشية المنزلية ..
الإحصاء … يرصد
السيدة فيروز خير بيك مديرة إحصاء حمص ذكرت أن المديرية تجري مسحا لحركة الأسعار في أسواق المحافظة مدينة وريفا ويتم إرسال البيانات الخاصة بهذا المسح والتي تتم بالجولات الميدانية إلى المكتب المركزي للإحصاء بدمشق ويهدف هذا المسح الاستقصائي للوقوف على حركة الأسعار التي شهدت في الآونة الأخيرة ارتفاعا ملحوظا شمل حتى المحاصيل الزراعية وأجور اليد العاملة بشكل عام وقد ترافق هذا الارتفاع وبشكل مفاجئ مع انخفاض نسبي في أسعار وأجور المنازل .
للقطاع الخاص دور مهم
باحث اقتصادي تحدث عن متانة الاقتصاد الوطني قائلا : إن الاقتصاد السوري وبفعل امتلاكه لمكامن قوة وأرضية متنوعة ومتعددة المصادر كونه اقتصاداً حقيقياً استطاع تفعيل قوة حركة التصنيع في أغلب المدن الصناعية الرئيسية وبدأت الزراعة تستعيد مكانتها , و رغم الحصار الاقتصادي الجائر مازال الاقتصاد قويا كنتيجة للتماسك الواضح في بنية الاقتصاد السوري .. وهذا يحتم على جميع العاملين بالاقتصاد أن يطوروا طرق تعاملاتهم عبرالمواقف المجدولة بين ما يراه قطاع الأعمال وما تراه الحكومة ، فثمة تقارب كبير بين التوجهات والقناعات نأمل أن يكون بالفعل وعلى الأرض وليس مجرد كلامٍ عابر, مشيرا إلى أن مهام القطاع الخاص السوري في مرحلة التعافي والانتعاش تحدد بالمشاركة في تحقيق زيادة الناتج المحلي الإجمالي وزيادة مشاركته في الادخار والاستثمار والمساهمة في زيادة الصادرات المصنعة وخلق فرص عمل جديدة لمعالجة مشكلة البطالة المتفاقمة والمساهمة في رفع مستوى الدخل الفردي من خلال التشغيل ورفع القدرة التنافسية للقطاعات الاقتصادية الرئيسية والمشاركة في معالجة احتياجات السكن والصحة والتعليم والبنية التحتية وخلق مناطق تنموية على مستوى سورية بما يحقق أهداف التنمية المستدامة..
أخيراً
نخلص للقول بأن التوازن بين طرفي معادلة الأسعار والأجور هو معضلة حقيقية تقع أعباؤها على كاهل المواطن الذي ضاق بحملها وتعالت مطالباته بإيجاد آلية تمكنه من المعيشة بصورة كريمة ..
ونشير هنا إلى ظهور نظريات كثيرة حيال الواقع الاقتصادي ولكنها لم تستطع حتى الآن إيجاد حل ولم تحقق التوازن المعقول.. فهل سنتوصل يوماً لسبل مناسبة ؟؟!!
هنادي سلامة – بسام عمران