الرستم : قصص«تصفيق مالح» تعري الواقع بعد المؤامرة الكونية على سورية إسماعيل: لغته مختزلة مكثفة وامضة هادفة

ضمن خطته لدعم الأدب والأدباء أقام المركز الثقافي في حمص حفل توقيع المجموعة القصصية الأولى للدكتور أحمد يزبك المعنونة بـ «تصفيق مالح» في قاعة الأديب سامي الدروبي مساء الخميس الماضي بحضور جمهور نوعي من أدباء حمص .
بدأ حفل التوقيع بورقة عمل تقدم بها الناقد محمد الرستم فبين أن هذه المجموعة القصصية تنضوي تحت عنوان قصص المناسبات لأنها تصور واقع المجتمع السوري بعد المؤامرة الكونية عليه فتناول في جميع قصص المجموعة الجوانب التي أتت عليها الحرب وأحالتها رماداً فأخذ يرسم التيه اللانهائي في المدارات الجمالية العائمة من حوله وقد لف الكاتب الوطن النازف في صرة خيالاته ,وبدأ يهز إلينا بجذع الألم المعرش في أغصان الحارات فتتساقط الخيبات والحسرات ,وكأنه قد أدمت يديه أشواك الترقب ..ترقب الوصول إلى المرفأ الأخير,ولم يعد يجد متسعاً ليأخذ نفساً من أوكسجين الارتياح وهدوء البال .
موضوعات هامة
بين الناقد رستم أن موضوعات «تصفيق مالح» هامة مثل النفعية والانتهازية كما في قصة «شاعر عقاري» والتشبث بالأفكار المحنطة كما في قصة «هولاكو» وتأثير الانترنت على الحياة الأسرية كما في «حب من أول لايك» كما تناول الفساد في قصة «مغص رسمي»وتناول أثر الهجرة على السوريين كما في «صقيع إيديولوجي» وشرح تفاصيل الديمقراطية المزيفة عند الغرب كما في « الكف والكف الآخر» وتحدث عن مأساة الفقراء في قصة «حضن الوطن» فبدا الهم الوطني في هذه المجموعة مثل صخرة سيزيف يحملها كاتب هذه القصص فيبدو الواقع مكشوف الظهر بعد هذه المؤامرة التي أحرقت الأخضر واليابس بسبب معاناة الكثيرين,فشخصيات قصصه محاصرة بالظلمة والإخفاق وبالكثير من الخيبات,وكأنها تتنفس تحت عجلات قطار الحياة .
لقد وظف الكاتب الواقع لبناء متونه الحكائية ,واقع مفخخ بشراك الحرب والموت والفقر والتخلف والإعاقة فهي حياة منقوصة النبض عرض ذلك كله من خلال صور دلالية بالغة العمق تختزن هواجس وأحزان الكاتب ,وقد حقق الإرضاء الجمالي من خلال تساوق الفكرة مع البناء الفني للأقصوصات معتمداً في التناول وإدارة دفة الأحداث على السارد العليم من منظور ضمير الغائب وهذا ما أتاح له حرية الحركة,كما وظف الكاتب إمكاناته الفكرية والتخيلية وخزينه المعرفي فجاءت الشخصيات في سياق فني متخيل لا يبتعد كثيراً عن الواقع الموضوعي فهناك تداخل مدروس بحرفية عالية الجودة بين الواقع والخيال ,وتنوع الصراع بين الظاهري البسيط والنفسي المعقد ,مما أضفى على العمل ديناميكية درامية ,وإثارة نفسية على مسار الأحداث وتلقائية ويسر يجعلك في قلب الفكرة من خلال حبكة متقنة بينما يطوحك بمتعة الترقب ،ترقب القفلة التي كثيرا ما تأتي مباغتة مناوئة مدهشة.
لغة المجموعة
و رأى الناقد الرستم أن لغة «تصفيق مالح » رشيقة السرد شاعرية ذكية كل هذا يدل على نضوج الأدوات الفنية للقاص إذ قدم معادلاً موضوعياً تعبيرياً وجمالياً جعل من كاتبه ينتسب إلى الأدب انتساب أصالة لا وكالة .
مطالعة نقدية
وقدم الأديب عيسى إسماعيل مطالعة نقدية تحدث فيها عن الهم الوطني الذي يشغل بال القاص فثمة من يتمسك بالوطن ولا يبرحه إلا إلى القبر شهيداً ,وثمة من يهرع عند أول إعصار إلى بعيد بعيد,معرياً النفاق الاجتماعي في الكثير من القصص وخديعة الحوار الديمقراطي لا سيما لمن بالغوا في وصف نعيم الديمقراطية والحريات في الغرب الذي يلبس لباس الحمام ويطبق قانون الذئب عليهم فقد جعل من مكان صراع المتحاورين منطقة محظورة لئلا تنتقل تلك الشتائم والصراعات إلى مجتمعاتهم فتعامل مع المهجرين المغتربين كما يتعامل مع الشاة الجرباء ,وما يميز قصص المجموعة هو الاختزال والتكثيف فمعظم القصص لا تتعدى الثلاث صفحات ,وأغلبها صفحتان وهنا تبدو البراعة في التكثيف اللغوي للتعبير عن الحدث وهذه المهارة الأسلوبية تحسب للقاص وتدل على تمكنه من أدواته لغة وحبكة وصياغة مختصرة , ليجعلنا نؤكد أن القصة القصيرة تكسب صوتاً جديداً, ليس في حمص فحسب بل في سورية.
في نهاية حفل التوقيع قرأ الدكتور أحمد يزبك مجموعة من قصصه نقتطف مقطعاً من إحداها بعنوان «نجوم الظهر» يتحدث فيها عن رجل ستيني بنى غرفة فوق السطح لأرملة ولده الشهيد مع أطفالها بينما سافر ولده الثاني ليعمل في فنادق الدول الأوربية كغاسل صحون واستمر ولده الثالث في خدمة الاحتياط سنوات طويلة فيقول بطل القصة : استغرق أبو عيسى في النوم طويلاً,مخدراً, ,عابساً, استيقظ على لكزات شمس النهار الحادة فتح جفنيه رويداً رويداً كانت الظهيرة تحاصره ,لكن نجوم الدب الأكبر مازالت تتراءى له بوضوح في كبد السماء.
ميمونة العلي

 

المزيد...
آخر الأخبار