في ذاكرة الإنسان السوري يحضر الزمان والمكان ليكون بينهما تلك الاستمرارية العامرة بما كان من صنعه ومن لمساته المادية والمعنوية ففي المادة نمضي معا إلى مجمل الحضارات التي كانت وما زالت شاهدا على عبقريته من الأعمدة الشامخة والتي تتحدى الزمن في تدمر وبصرى وشيزر وقنوات بالإضافة إلى الجوامع والكنائس التي كانت هي والمسارح في تدمر وبصرى تحمل الصبغتين المادية والمعنوية بماقدمته من قضايا ثقافية وتعليمية عبر التاريخ وفي الجانب المعنوي فنحن السوريين من ولدت وترعرعت فوق ترابنا أول أبجدية عرفتها البشرية وكانت أصل كل اللغات في العالم وكانت سورية ليست فقط مهد الحضارات البشرية بل مهد الإنسان الأول الذي عمّر الأرض ومن ثم تشير الوقائع التاريخية ومسيرة التطور الذي شهدتها البشرية على دور الثقافة العربية في انتشال أوروبا من بحر التخلف والجهل وما كان لسورية من بصمات لا يستطيع أحد نكرانها مما سبق وللأهمية الكبيرة التي تبوأتها سورية عبر التاريخ ولعظمة حضورها الذي لا يضاهى كانت وجهة الغزاة إليها وهنا لا تتسع مقالة صغيرة ولا كتاب لإحضار ما تعرضت له من مآس ومذابح على يد هولاكو وتيمور لنك والسلاجقة العثمانيين الذين عاثوا فسادا وأمعنوا تخريبا في ماتم بناؤه عبر آلاف السنين وشاهدنا على ذلك هو تحول لون مياه نهردجلة إلى الأسود من حبر الكتب التي رماها التتار في مياهه ويحضرنا في هذه الفترة وهذا الوقت الذي نعيشه الآن ماذا فعل ممثلو الصهيونية وأمريكا وملوك وأمراء النفط والغاز والعثمانيون الجدد عندما قاموا بتدمير الآثار في سورية والعراق والقطع الأثرية العظيمة الأهمية والتي نهبوها بمشاركة القادة الأتراك الحاقدين على العرب والعروبة كل ذلك كي نكون دون مؤشرات ودلالات على أننا أصحاب ذلك الماضي المشَرف ولأن الصهاينة الذين اغتصبوا فلسطين هم بدون تاريخ وبدون جذور في أرضنا العربية قاموا بالإيعاز لأدواتهم الإجرامية الإرهابية المتواجدين على الأرض السورية للقيام بما فعلوه من تخريب وتدمير . الآن وبعد مرور تسع سنوات على بدء المؤامرة وتصدينا الباسل لها والذي سيسجله التاريخ بأحرف الانتصار الخالد علينا أن نقف مع ذاتنا لنضع النقاط على الحروف من خلال إجراء تقييم شامل لمجريات الأحداث ووضع برنامج ومنهاج عمل لتجاوز ما جرى وأن نضع أيدينا في أيدي بعض لإعادة بناء ما تم تخريبه وأن يكون ذلك البناء محكما وباتجاهين : الأول إعادة بناء ماتم تخريبه وخاصة المنشآت الاقتصادية وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه وبتقنيات أفضل والأمر الثاني هو بناء الإنسان السوري وفق تربية ومناهج دراسية تنسف كل مادخل علينا من عادات وتقاليد بالية وقيم لا تتوافق مع ما ورثناه من قيم أخلاقية يكون في تمثلها حضورنا من جديد وعبر الأجيال القادمة أصحاب حضارة متجددة ومؤكدين فيها على أهمية تضافر الجهود الإنسانية الخيرة في إعادة الطمأنينة والسلام للبشرية جمعاء وأن نكون يقظين ومتيقظين لأهمية الوقت وأهمية أن يعتبر كل سوري أن وطنه هو بيته الكبير الذي لا مجال فيه للتهاون في المحافظة عليه وعلى كل مكوناته البشرية والحضارية المادية والمعنوية .
شلاش الضاهر