في الحادي و العشرين من شهر آذار يبدأ فصل الربيع ، و في هذا اليوم يحتفل العالم بعيد الأم فالربيع رمز الانبعاث و التجدد ، و الأم رمز الخصوبة و استمرارية الحياة و الكون فالأم تصنع الحياة من خلال أبنائها و الربيع يطلق الأزهار التي تنعقد ثماراً ..!! فلا ثمر بلا زهر و لا أبناء بغير أم ..!!
و هكذا فإن أدبياتنا المأخوذة من الكتب السماوية و سير الأنبياء والرسل كلها تمجد الأم و تعظم شأنها …!! و تدعو للبر بها بشكل خاص و بالوالدين بشكل عام و إذا كانت هذه الأدبيات تعطي رجحاناً و ذكراً للأم أكثر من الأب ، فهذا لأن الأم تتحمل آلام الحمل والولادة و الإرضاع و التربية …!!! بينما الأب يتحمل عبئاً أقل بكثير من هذا ..!!
يأخذني الحديث عن الأم إلى مساء شتوي قبل ربع قرن و أكثر . وصلت حمص قادماً من دمشق و كان عليّ أن أستقل سيارة أجرة إلى القرية حيث منزلي ، أشرت لسائق شاب وطلبت منه إيصالي لكنه على الفور أجابني بأنه موافق و لكنه سيعرج على منزله القريب في حي ” باب هود ” من أجل الزوادة قلت له إنني سأبتاع له على حسابي مايريد من طعام ، و نحن في السوق لكنه أصر على موقفه .
أوقف السيارة و استأذن و دخل منزلاً في شارع ضيق ولم تمض سوى دقيقتان أو ثلاث حتى عاد .. و انطلقنا ، تعجبت مما يحصل فهو لم يتناول طعاماً و لا يحمل أي زاد سألته فقال :
” لقد أعلمت أمي العجوز بسفري و طلبت منها أن تزودني بدعائها و هذا الزاد لا أحد يقدمه لي سواها …” كان درساً قدمه لي هذا الشاب الذي لا يحمل سوى الشهادة الابتدائية و هذه الحادثة تقودني إلى تذكر حادثة أخرى ، مؤلمة بالنسبة لي عندما أتذكرها ، فقد لاحظت أيام الأعياد ، وأنا أزور في الصباح قبر أبي و قبر شقيقي رحمهما الله – أن شاباً يجهش بالباء و هو يقف أمام قبر .. و تكرر المشهد اقتربت منه و بعد كلمات المواساة سألته عن حاله فأجاب بأنه يتألم كثيراً لأنه أساء بالكلام إلى حد الشتم لأمه قبل يوم من وفاتها .. و هو لا يزال يشعر بالقهر و الحزن و الندم فيأتي كل عيد ليعتذر منها .. وسألني هل تسامحني أمي ؟!!” قلت له : ” الأم لا تحقد على أبنائها.. بالتأكيد تسامحك .. و تدعو الله أن يغفر لك .. مهما قسوت عليه .. ” راح يمسح دموعه و هو يقول لي :” لقد أرحتني أزاح الله عنك الهم .. !! “
اليوم و نحن نحتفي بالأم في عيدها .. ونحن نقدم الشهداء و نسجل الانتصار على الإرهاب فإن التحية و التقدير و التكريم لأمهات الشهداء اللواتي ، لولا دماء أبنائهن لما كنا مستمرين في حياتنا ..!! هذه الأم التي تزغرد و هي تودع ابنها شهيدا .. كيف ترتقي كلماتنا لتصف حالها و تكرم مآثرها ؟ّ
و تلك الأم التي تودع ابنها الشهيد الخامس من أبنائها و تقول إن سادس أبنائها جاهز للدفاع عن الوطن واللحاق بأشقائه شهيداً ، ماالذي نفعله لتكريمها .. و تمجيدها .. هل يكفي أن نقبل يديها .
أمهات سورية ،و أمهات الشهداء لكنّ التقدير و الاحترام .. والمجد .. فكل واحدة منكنّ مصنع للبطولة من أجل أن تبقى ” أمنا سورية ” شامخة الرأس عالية الجبين تهزم أشرس عدوان إرهابي على أرضنا و شعبنا .. فتبقى أمنا ” سورية ” أيقونة الدنيا في البطولة و التضحية و الانتصار …!!
عيسى إسماعيل