شقاوة الطفولة البريئة كانت إذا مرت بمسطح مائي , أو بركة ماء واسعة على قدر خيالها كانت ترمي بعض حصى فيها وعلى قدر العزم كانت ترتسم دوائر , واحدة تلو أخرى , والطفولة ترى نتاج فعلها , وقد راشت حصاها , لكأنها تعيش بعض مخاوف من غرق في ماء لتأتي الحصى مقياسا يسبر غرقاً في اندفاع سلوك , وقياساً في معطى تقمص غرق في متسع ماء هي ذاتها في بعض مخاوف من مثل الأماكن العالية أو المغلقة …
أو حال قافية لشعراء كما الحال عند ابن الرومي الذي كان يمر بكوز الماء مغمض العينين وهو يشرب . وعندما سأله بعضهم أجابه مخافة غرق .. هو الإنسان تعاقب أعمار وتجارب وشدة ولين وطمأنينة بال وقلق حال .
هو الإنسان يتصالح مع ذاته ضمن استجابات تعزز قدراته في مواجهة أي أمر من خلال مخزون تجاربه وتجارب غيره وسلامته النفسية تربية واعية هي طوق النجاة وثقافة مصقولة بدراسات معرفية تؤكد اتزان السلوك عبر سعة اتزان وقار فعل أو منتج عمل , أو أداء سلوك .
هو الماء شريان الحياة ينابيع تنبجس من بين صخور , وواحات غدران وفي العلا دِيمٌ سكوب لها التضاريس والحقول والسهول الهضاب مسرح أعراس تنتش غراساً ومصاطب خير ومواسم فرح في انتشاء القلوب خيراً على خير , وفي اصطلاء وجدان الكلمات المسافرة في ذمة الوجد ومتاهات التعب وفضاءات التأمل , وغنائية كل شرود .. هي بوح أنفاس الحروف عند مساءات الشتاء الحزينة وقد أزهرت أضواء المصابيح الصفراء بزوغ أضواء تحاول أن تكون بعضاً من مقاربة وصف ربيع عند أبي تمام في ذاته « يا صاحبي تقصيا نظريكما تريا وجوه الأرض كيف تُصّور ؟ ! «
هكذا هو الماء مسطحات تشهق بها انعكاسات مصابيح الماء لكأنها تسعف شرود هائم وقد أضناه أمر الوجد لديه صورة طيف تزاحمه قطرة ماء من سحاب أو ارتعاشة دمعة شفيف .
هو الماء سردية حكايات الحب وجمال شكوى وبعض صراع إذ « وأول ما قاد المودة بيننا بوادي بغيض ..»
وفي الصراعات الكبرى وحروب ضمن اتساع التصحر وانغلاق أبواب الموضوعية في قمم الأرض والمناخ وواقع الدول الصناعية والأمطار الحمضية و اثر ذلك على البيئة والناس .
هو الماء دوائر مسطحات لحكايات مراهقة مضمخة بصدق القيم ونشوة الكياسة وقد صعب وجود مرآة ليمر بمشطه على تسريح شعره ومسطحات الماء صفاء مرآة .. والحاجة أم الاختراع على حد بساطة , موقف قياساً باتساع عبارة …
ألا ما أجمل دوائر الماء مسطحات تقص عفوية البحث عن جمال في نقاء سريرة وسعادة صدق !
هي مسطحات ماء ينشد الرائي إليها جمال وجه عبر صفاء مائها , والشكل وارتواء عطش إن دعت الحاجة . وفي كلا الأمرين فرح في سعادة صدق عفوي .
هكذا ثمة بحث عن ذات أحلى دائماً في حب بقاء وبعض « أنا « لكن كل ذلك كان قبل أن يصنع الإنسان المرآة الزجاجية في غابر الأزمان . وجل همه أن يرى صورته معكوسة في الماء , لكن عندما حاول أن يحرك الماء سرعان ما تختفي الصورة , وكلما ترك الماء بعد تحركه وعاد ثانية تعود الصورة عند عودته فاكتشفت ذاته وصاح , أنا , أنا , هذا أنا .
من غير أن يعيش قلقاً لاحقاً ما بين ذاته واقعاً والصورة المرئية لاحقا من غير أن يغيب عن باله واقع متجدد وسائط تحسّن الصورة بهرجة شركات ومواد تجميل أو مواقع ترتع من قدره وتقوى من شأنه قيمة مضافة قد يحتاجها , على قدر افتقاره إلى تعزيز ما على خلاف صاحب كياسة في الحقيقة ودسم المضمون اتساع رؤى وغنى عصامية في المحتوى لتأتي الصورة مشرقة المعالم في حقيقتها غير محتاجة إلى بؤس تجميل في مكان هي دوائر الماء في مرتسمها رجع صدى لتضاريس وعفوية محاولة لرؤية في محيا , وفي ماهية الماء أصالة الوجود في نباهة كل إطلالة يشغف ها كل اخضرار ، وفي جمال الوعي العميق :
إنما الناس سطور كتبت لكن بماء
نزار بدّور