غمّ على غمّ على وزن « قول على قول»، وشتّان مابينهما، ففي « قول على قول» قد نجد الكثير ممّا نستفيد منه، أو نتّعظ به، أمّا في « غمّ على غمّ» فما ثمّة غير الغمّ المتراكب بعضه فوق بعض، وكأنّ الشيء الوحيد النّاقص في حياتنا هو وجود الغمّ، بينما هو في حقيقة معاناتنا طافح حتى الاختناق، ويجيء محمولا على الخراب الكبير الذي أسّست له ، ودعمتْه الرّجعية العربيّة الحاكمة المتصهينة،
لن أبتعد عن الهدف الأساس من هذه الزاوية، وسأتناول ظاهرة من تلك الظواهر، وهي البطء الشديد في سرعة ( النّت)، ذات زمن لم يبعد كثيرا، ظللنا على مدى أسبوع تقريبا ونحن فرحون بسرعة تجاوب ( النّت)، ولكنْ ، كما يُقال:« يافرحة ماتمّت»، فهانحن منذ فترة ليست بالقصيرة، حين نقيسها بعمر المشاعر والانفعالات، ماأن نفتح هذه الصفحة الزرقاء، حتى نحسب أنفسنا أمام مَن يُضمر لنا:» والله لأؤدّبنّكم» وكأنّنا من عصاة عصر من العصور،!!
قياسا على بعض ماحملتْه الصحف من مقابلات مع بعض المسؤولين، تصوّرت إجراء مقابلة مع المسؤول عن سرعة « النّت»، فخُيّل لي أنّه سيقول: «نحن أحسن من السّويد في هذا المجال»، وسيكون ضميره مرتاحاً، لأنّه لو كان يحمل غير هذا الضمير لبادر إلى معالجة هذا الموضوع بالسرعة القصوى، لاسيّما ونحن، كما نزعم، من المتمسّكين بآداب الرسول صلوات الله عليه وآله، ومن أهمّ أقواله، وكلّ أقواله الموثوقة مهم، من أهمّها قوله:« إنّ الله يحبّ من أحدكم إذا عمل عملا أنْ يُتْقنَه»، فهل فيما نحن فيه شيء من ذلك الاتقان؟!!
تتوجّه جهة ما لإجراء مقابلة إعلاميّة مع مسؤول لتوضيح سبب فوران مشكلة ما، فيحدّثك بإسهاب عن الأسباب، ويفيض فيها، وكأنّه غير معنيّ بأن يأخذ الاحتياطات اللاّزمة كيلا يقع المحذور!!
في أيام رداءة « النّت» حاولتُ أن أتغلّب على توتّر الأعصاب، وضيق الخلق ممّا أواجه، فعمدت إلى وضع كتاب في قراءته شيء من المتعة، ولا يحتاج إلى بذل جهد فكريّ عال، أجلس فأنقر طلبا لفتح النّت وأستغرق في القراءة، كيلا افقد آخر عصب من أعصابي، وأتساءل ضمنا هل تقدّم الجهات المعنيّة عن هذه الخدمات بقدر ماتأخذه من جيوبنا؟!!
لماذا تحسّنتْ لفترة ما سرعة الاستجابة وغابت، أليس هذا دليل إهمال، وتَعالٍ على اللقمة التي تصل إلى أفواههم؟!
نُقل لي أنّ رئيس إحدى الدوائر شكى لزائره فقال له متألّما:» ياأخي لقد وصل الفساد إلى النّخاع، وأنا شبه يائس، ويحتاج الأمر إلى قدرات خارقة فوق الطّاقة»، ومع احترامي لتحسّس هذا المسؤول لما يُفترَض أن تكون عليه دائرته، أقول له ، ولأمثاله، القدرات الخارقة موجودة، وأبسطها أن نبدأ بأنفسنا، فحين يكون إنجازنا واضحا، مُتْقَنا فإنّنا نرسم طريقا للراغبين في أن نخرج من هذه الظلمات، وليس مستحيلا ملاحقة من يتأخّر في أداء واجبه، ولو أنّ مبدأ المكافأة والعقاب طُبّق من كلّ مسؤول في دائرته، دون أيّة اعتبارات تعرقل هذا التوجّه، فسيكون النهوض بأسرع ممّا نتصوّر،
أعلم أنّ البعض سيسخر من كلّ هذه الأفكار، ولكنّني موقن، رغم الألم، ورغم الضيق، ورغم مرارة الشكوى أنّ بلدا استطاع أن يكسر المشروع الصهيو أعرابي، هو يمتلك من الطاقات والقدرة مايؤهّله للخروج من هذه الظلمات، ولا فوز مع اليأس…
عبد الكريم النّاعم