يحلم كل شاعر شاب أو شاعرة شابة بإصدار المجموعة الشعرية الأولى .. البعض يستعجل في ذلك ، والبعض الآخر يتريث ، قبل أن يدفع بنتاجه إلى المطبعة . البعض الأول قد يحرق قصائده والبعض الثاني تأتي قصائده ناضجة لأنه أنجزها على نار هادئة.
مجموعة ( مع كل أشواقي سأرحل ) للشاعرة مريم مصطفى تستوقف القارئ المدقق كثيراً . فالعنوان يوحي بالحزن والرحيل وتداعيات الفراق ، وهذا ما لا نتوقعه من شاعرة في أول مجموعة لها .
وما يؤكد الهم الاجتماعي العام المرافق للقصائد هو ما قاله الشاعر إبراهيم الهاشم في تقديمه للشاعرة في إحدى الأماسي بالقول : ( إن شعرها مجبول بنجيع القلب وخفق الروح وبلغة شعرية موحية ).
من قصيدتها ( آلام طفلة سورية ) تتغلب على الآلام وتولد من عمقها الآمال الكبيرة … نقرأ :
/ من تحت الركام ماتت لعبتي الصغيرة
بين الحطام مكسرة لا تدري أحزاناً
لا تدري أن مصيبتي بفقدها كبيرة
صغيرة أنا ، لكن أحلامي كبيرة /
ومن قصيدتها ( وردة سورية الحزينة ) نرى تكرار أفكار الألم الذي تجهد القصيدة لتحويلها إلى صبر وكفاح لأن الحياة تعني ذلك . فالحلم لا بد أن ينتصر بفضل التضحيات ودماء الشهداء .. فالورد جميل في حياتنا .. لكن دم الشهداء أجمل لأنه يصنع الحياة والنصر … نقرأ :
/ عطّر بطهرك هذي الأرض
ويمم بجرحك الغالي ثراها
أما أقسمت أن تسكن قصراً ..!!/
ويبدو أن لحظات الفرح ، كما نرى في المجموعة ، نادرة تأتي مصادفة لتنعش القلب الساكن وتوقظ الإحساس بأن الحياة جميلة وأن جمالها أضحى ذكرى وحلماً . والحلم ينعش الحياة لكنه يبقى حلماً …حيث قالت في إحدى القصائد:
ذات مصادفة
مرّ شعاع القمر على ضريح القلب
تنفس القلب الموؤد عطر القمر
المتناثر على شرفات انتظار العمر
كم التقينا عند شباك الأماني /
ثمة حزن جميل وشوق إلى غدٍ أفضل ، نراه في قصائد الشاعرة مريم مصطفى ، فالرحيل من اجل الآخر أو بسببه ، أمر جارح يثير الخيال ، وهو حالة تثير الشفقة, من قصيدتها / مع كل أشواقي سأرحل /نقرأ :
سأرحل عنك
مع كل أشواقي سأرحل
ستعلم بعد رحيلي انك كنت
طفلاً مدللاً
سأرحل إلى البعيد البعيد
ساسكن السحاب غيمة
وعلى مفارق روحك الشريرة سأهطل ..!!
والبعد ، بشكل عام ، مفرداته الحنين والشوق إلى ماض كان وإلى أناس ابتعدوا ،وفيه قسوة الأيام ونار الجوى… نقرأ من قصيدة /ألم /:
سكنت بيتاً من رخام
وغرك الموت الزؤام
تركتني وحيدة
وسط المخاوف والزحام
أعاني بعدك أيها الحبيب
وحشة الطريق ..وظلمة الأيام
تعتمد الشاعرة ، كما في القصيدة السابقة على المشاعر علها تكون رافعة للقصيدة التي كلماتها بسيطة جداً ، فتبدو القصيدة اقرب إلى الخاطرة الأدبية .
ثمة شعراء وشاعرات ظهرن في السنوات الأخيرة ، في حمص ، وفي كل المدن السورية بأعداد لافتة . فالبعض يعزو سبب ذلك إلى أن الآلام والملاحم السورية أججت المواهب والمشاعر للتعبير عن النفس وتصوير جراحات الوطن وصموده الأسطوري .
وهذا سبب هام… غير أن لقب ” شاعر ” أو ” شاعرة ” يغري الكثيرين والكثيرات, وبلدنا بلد شعر وشعراء ، على مدى الزمان .
الإشكالية التي نراها هي أن هؤلاء يستسهلون قصيدة النثر فيكتبون الخاطرة تحت عنوان قصيدة النثر . غير أن مثل هذا قد يتطور فنرى قصيدة نثر جميلة .
في حمص ثمة عشرات الأصوات الشعرية التي تريد أن تأخذ مكانها في لوحة المشهد الشعري ، البعض يتعثر ، والبعض يعمل بجد وجهد ، والأهم هو امتلاك اللغة .
لعل شاعرتنا مريم مصطفى تتحفنا في مجموعتها القادمة بقصائد أكثر نضجاً وحيوية ..لا سيما وأنها تمتلك اللغة البسيطة الصافية والعبارة الجميلة ..والصور اللافتة .
عيسى إسماعيل