ارْتدتْ “مُنيرة” ثوبَها الرّائع.. وقفَتْ أمامَ المِرآة ـ تأمّلَتْ بعينيْهَا العَسليّتينِ وجهَهَا الورْديّ النّظيف، والشّريطةَ الحمْراء المعقُودَة بِشَعْرِها؛ تأبّطَتْ محفظةَ نقودِها وأغراضِها، بطريقِها لِمخزنِ الألعاب، لتشتريَ هديّةً، لإحدَى صديقاتِها.. لمَحَها “وائل”، زميلُ المدرسةِ، على الرّصيفِ، نادَى:
- إلى أينَ يا “مُنيرة”؟
السّؤالُ فاجأَهَا…”وائل” يكبرُها بِعامَين، كانَ يزعجُها بباحةِ المدرسة، بلْ كثيراً ما تشاجَرَتْ معَهُ لهذا السّببِ! ظلَّ “وائل” يُلاحِقُ خطواتِها، و”مُنيرة” لا تلتفتُ إليهِ، ولا تردُّ على أسئلتِه!
- أنا ذاهبٌ لشراءِ لُعْبةٍ، منَ “المخزنِ الكبير”، وأنتِ؟
سألَتْهُ:
- هلْ ستحضرُ الحفلَة؟
باستغرابٍ أجابَها:
- أيّة حفلَة؟
لحظتئذٍ، ندِمَتْ على سؤالِها، أجابتْهُ:
- لا شيء، اتركْنِي بحالِي، أرْجوك …
* * *
تابعَتْ سيْرَها، قاصدةً مخزنَ الألعاب.. لَحِقَها “وائل”؛ حينَ وصلَتِ، احتارَتْ ماذا تشتري لصديقتِها الغاليةِ “سلوى”، بِعيدِ ميلادِها؟
* * *
اشترَى “وائل” بندقيّةً معدنيّة، كانَ يضغطُ على زِنادِها، فَتُطلِقَ أصواتاً عالية! بينما “مُنيرة”، تبحث عنْ هديّةٍ مُناسِبَةٍ لـصديقتِهَا.. شاهدَتْ دُمَىً، بألوانٍ رائعة، كقوسِ قُزَح.. تسلّلَ الفرحُ لِقلبِها.. قالَتْ لنفسِها: “ما أحلَى هذهِ الدُّمْية، هيَ لفتاةٍ صغيرةٍ، شعرُهَا الذَّهبيُّ، ينسابُ على ظهرِها كشلّال، تزيّنُهُ شريطةٌ بيضاءُ، لها ثوبٌ طويلٌ مُتماوِج، تمتزجُ بِنقوشِهِ ألوانٌ زَاهِيةٌ، ستَفرحُ صديقتي “سلوى” بهذهِ اللعبةِ!
* * *
أمسكَتْ “مُنيرة” اللعبةَ، انبعثَ منْها صوتٌ موسيقيٌّ عذبٌ، كغناءِ عصفورٍةٍ على شجرةٍ مُزْهِرةٍ! اقتربَتْ منَ الصّندوقِ، لتدفعَ الثمنَ، انتبهَتْ، أنَّ محفظتَها ليسَتْ معَها.. شَعرَتْ بِحَرَجٍ شدِيدٍ؛ اعتذرَتْ للمُحاسِبِ، خرجَتْ مضطربةً، حاولَتْ أنْ تتذكّرَ: “أينَ مشيْتُ”؟ “أينَ وقفْتُ”؟ أينَ التقيْتُ بـ “وائل”؟ “ما أصْعبَ ضياعَ محفظتَي”!
* * *
الخامسة مساءً، ستبدأُ الحفلةُ، وستُطفِىءُ “سلوى” الشّموعَ! أحسَّتْ بالارتباكِ: “أأذْهبُ لِعيدِ المِيلادِ، بلا هَديّة؟ علماً أنَّ “سلوى” قدّمَتْ ليَ هديّةً جميلةً بِعيدِ مِيلادِي”؟
أسندَتْ ظهرَها إلى جدارٍ قريبٍ مِنَ المخزنِ، ارتعشَتْ، كَحمامةٍ بلّلهَا المطرُ..راحَتْ تجهَشُ بالبُكاءِ، فجأةً سمِعَتْ صوتاً:
- مُنيرة.. يا مُنيرة!
لمْ تردّ، سارَتْ بحزنٍ، بينما “وائل” يتأمّلُها مُنْدهِشاً:
- ماذا جرَى؟ رُدِّي عليَّ، أرجوكِ؟
بانكسارٍ قالَتْ:
- مِحفظةُ نقودِي ضَاعَتْ..لا أستطيعُ شراءَ هديّةٍ، لـ “سلوى”، بِعيدِها!
باندفاعٍ سألَهَا:
- كيفَ أساعِدُكِ؟
عَدَّ النّقودَ المُتبقّيةَ مَعَهُ..هزَّ رأسَهُ أسِفاً..قالَ:
- خُذِي بندقيَّتِي كَهَديّةٍ لصديقتِك!
بانْدِهاشٍ قالَتْ:
- البُندقيّة…البُندقيّة!
قالَ:
- نَعمْ خُذِيْها..لا تتردَّدِي!
نَبَسَتْ:
- لكنّني، اخْترْتُ هديّةً أخرى!
حينَها ردَّ “وائل”، بكلامِ الواثِقِ:
ستحصلينَ على ما تُرِيدينَهُ..تَعالَيْ معي!
* * *
عادَا إلى المخزنِ..طلبَ “وائل” استبدالَ “البندقيّة”، “باللعبةِ” المُفضَّلةِ لـ “مُنيرة”..ابتسمَتْ الصّغيرةُ، وهيَ تحملُ اللعبةَ الجميلةَ التي اختارَتْهَا..
شكرَتْ زميلَهَا على مساعدتِه، فـ “الصَّديق عندَ الضِّيق”، انطلقَا معاً، يغمرُهُما فرحٌ كبيرٌ..
* * *
بالحفلةِ، قدّمَتِ “مُنيرة” الهديّةَ لصديقتِها “سلوى”..وأمامَ الحُضور، امتدَّتْ طاولةٌ، عليها كؤوسٌ منْ “كوكتيل” الفواكهِ اللذيذةِ، وقالبٌ مُدوَّرٌ منَ “الكاتو” الشّهِيِّ، تضيْئُهُ شُمُوعٌ جمِيلَةٌ، على عددِ سنواتِ “مُنيرة”!
وجيه حسن