الكتاب الثالث الذي أصدرته الأديبة خديجة الحسن بعد ديوانين شعريين هما “مرايا الروح” و” مامو” هو عن انطباعاتها كقارئة مثقفة عن بعض النتاجات الأدبية لأدباء من حمص خلال الأعوام القليلة الماضية وأهمية هذا الكتاب تأتي من جانبين : الجانب التوثيقي و الجانب التعريفي التثقيفي الذي يرتبط بالجانب الأول من خلال انطباعات الكاتبة التي تستند على ذائقة ثقافية و اطلاع واسع على الحركة الأدبية في حمص كونها شاعرة ولها حضور في المشهد الثقافي الحمصي من خلال عملها كعضو مجلس إدارة في رابطة الخريجين الجامعيين وعضو مجلس إدارة في جمعية العاديات و مشاركة في الندوات و الأماسي الشعرية.
يحمل الكتاب عنوان ” مطالعات، قراءة صحفية في نصوص أدبية معاصرة أدباء من حمص” و هذا العنوان ” مطالعات” يحمل معنى النقد الانطباعي سيما في عبارة ” قراءة صحفية “و الواقع أن ما جاء في الكتاب مقالات نقدية موضوعية و ليس مجرد قراءات صحفية تحمل انطباعات سريعة كما يوحي العنوان.
و تأتي المقدمة التي كتبها الدكتور الأديب نزيه بدور لتضيء جوانب الكتاب فيقول : سعت الكاتبة خديجة الحسن إلى تكوين معنى لكل عمل من الأعمال الأدبية المدروسة كما هو في ذاته و قد استفادت في إتمام ذلك بتحليل مفصل لكل نص و بتحقيق واسع في السياقات الثقافية المضمرة بلغة شفيفة و أسلوب رشيق و هي شاعرة صدر لها ديوانان شعريان و قد اختارت كتباً لبعض الأدباء المعاصرين من مدينة حمص..” و قد تحدثت الأديبة الحسن عن أعمال لثمانية أدباء هم : فيصل الجردي ونزيه بدور و أوجيني رزق و عبد الغني ملوك و محمود نقشو و عيسى إسماعيل وخديجة بدور و محمد الفهد.
ثمة روايتان للأديب فيصل الجردي سلطت المؤلفة الضوء عليهما ففي رواية جوليا التاريخية المكتملة كما تصفها استطاع الجردي تقديم جمالي و فكري ضمن خطته لإعادة إنعاش جوليا مثال المرأة السورية العظيمة و في سور الياسمين للجردي ربط للماضي بالحاضر من خلال رامز و سوسن بطلي الرواية وفي الرواية أمكنة أثرية تحاكي الوعي الثقافي و الجمالي.
ونقرأ في الكتاب عن عملين للأديب الدكتور نزيه بدور هما ” على شفا حب ” و موت الدكتور علي ” و الأول مجموعة قصصية ضمت خمس عشرة قصة قصيرة و تنتهي كل قصة بصحوة أو حكمة إنسانية أما رواية موت الدكتور علي ” فهي على حد قول خديجة الحسن ” عمل فردي استثنائي يعبر عن إبداع خاص و هو جماعي أيضا لأن الدكتور علي بطل الرواية يمثل الشريحة المثقفة من الباحثين الذين يبحثون عن فرصة عمل خارج الوطن قد تودي بهم كما حصل للدكتور علي ..الرواية صرخة بوجه الروتين و تجاهل العقول.
نقرأ عن رواية ” مارثا – شوارع الياسمين ” للأديبة أوجيني رزق و هي “رواية تعج بالمفاجآت و الدلالات الوجدانية شخوصها يفرحون و يعانون ويتألمون يحققون بعض أحلامهم وأمانيهم و يخفقون في أخرى ” و هذا العمل من أدب ما بعد الحداثة على حد قول المؤلفة خديجة الحسن يؤرخ لميلاد أوجيني رزق كروائية
رواية ” أواخر الأيام ” للروائي عبد الغني ملوك و هي الرواية العاشرة له تأتي أهميتها من صدق مضمونها العام وصلتها الوجدانية بالشعب و التحرر من قيود السرد و النزوع إلى المونولوج الداخلي و التصوير و إبراز الثقافات هي رواية واقعية اجتماعية تبرز الوعي الكبير للروائي ملوك المعرفي و الوجداني.
“مجرد تلفت” عنوان المجموعة الشعرية الأخيرة للشاعر محمود نقشو و هي تكرس نقشو شاعراً له حضوره على الساحة الشعرية و هي مزيج من الأحاسيس و المشاعر التي صاغها الشاعر إبداعا تفرد بخلقه و في سبر أغوار النص الشعري و مكنوناته.
وثمة مطالعتان في روايتي ” رصاص في حمص القديمة “و مدن و نساء” للروائي عيسى إسماعيل الأولى عن أحياء حمص القديمة التي استباحها الإرهاب لعامين و عاثوا فسادا و جريمة فيها ثم اندحروا مهزومين و فيها قصة حب تنتصر على الإرهاب أما |مدن و نساء ” فهي تحمل عنوانا مخاتلاً كما تقول الحسن و تندرج ضمن الأدب الواقعي الذي يشوبه الخيال.
رواية ” لعنة حلم ” للأديبة خديجة بدور تثري الرواية الواقعية و تدافع عن حقوق المرأة.
“من مقام الصوت ” قراءة جميلة في شعر محمد الفهد من خلال مجموعته المسماة ” من مقام الصوت ” تتلمس الخصب الروحي و توليفه لرحلة الغد من أجل نشيد الحياة و الحب.
إن الأديبة خديجة الحسن تكشف عن موهبة فذة في قراءة العمل الأدبي و عن ثقافة غنية و تعيدنا إلى مقولة “كل شاعر هو ناقد ” لأن أجمل النقد ما جاء على لسان شاعر أو شاعرة ذواقة تحلل النص و تكشف مكنوناته و تدفعنا لقراءته .
عيسى إسماعيل