المطر جاء حزيناً , متأخراً وعلى غير عادته في ظل شتاء دافئ بعد أن كان الناس يحسبون له ألف حساب فتقشعر الأبدان وتستنفر الوجوه خوفاً من برده القارس , لكنه أخيراً أتى بعد فترة انحباس طويل جعل الأنهار جافة تجاهد من أجل الإبقاء على بعض مياه وولادة نهر جديد , فلم يبق في قاعها سوى بضع بقع متناثرة من الطين , ومن ثم اختفت المروج الخضراء التي كانت تغطي مساحات واسعة من الأرض مما حرم قطعان الماعز والأغنام والأبقار التغذية على العشب ما اضطر الفلاح لشراء الأعلاف من بعض التجار الجشعين الذين استغلوا الوضع والحاجة للأعلاف فرفعوا سعره ..
لكن المطر أتى أخيراً فإن يأتي متأخراً خير من أن لا نراه ليحيي أملاً كاد يندثر بمحصول قمح جيد أوشك على اليباس والجفاف نتيجة تصحر الأرض مما كان قد يزيد الطين بلة ويحرمنا من مخازين الحبوب, فالقمح أساس صناعة البرغل أسهل وأرخص طعام يمكن إعداده اليوم في هذه الظروف الصعبة , كذلك الطحين أساس صناعة الخبز الذي قلّ اليوم إنتاجه فصارت العائلة بالكاد تستطيع تأمين ربطة الخبز إضافة إلى حاجتنا له في صنع الكثير من المعجنات والحلويات كل ذلك جعلنا ندعو مستجيرين من ضياع محصول القمح .
لكن الإرادة الإلهية كانت أقوى من كل التوقعات ولم يفقدنا الطمأنينة ليتدفق المطر بإحساس غامر بالحياة قلب كل الموازين السيئة فانتعشت سنابل القمح كما امتلأت السدود , فلم يستطع الجفاف تسجيل هدفه الأقوى في نفوسنا المثقلة بالصعاب والهموم وحولت حياتنا إلى صفحة مفتوحة على القلق والخوف ..
عفاف حلاس