تحية الصباح.. حاسة الشم ..

حتى تتفقد وجودَك والإحساس الناجم عن كونك الابن البار للأرض ، الأرض التي تتفقد أبناءها وترشُ الصمتَ على أذانهم وهم لا يعرفون …وأنت تلهو بما تكاثر من عليّق في داخلك وما لونته الأيام من تشعبٍ مستمر للظلم الذي ينتابك والذي تشعر به ليل نهار فقدت حاسة الشم ّ كنت أقول لا يهم سأعتاد الأمر ولكنها الحاسة التي تربطني بالوجود المتماهي مع الكون الوجود الصامت والذي ينوبُ عنه الارتباط الوافر بالملحمة الأرضية والمتجذرة عبر ملايين السنين ..أن تشمّ يعني أن تتقن التمييز بين الصح والخطأ ..أن تتقن الولوج في ذاتك تتوقف عند النهار وتشّمه وتدركُ الليلَ ليس بظلمته فحسبْ بل برائحتهِ …أن تشمّ يعني أن تتواصل مع الحياة بذاكرةٍ من رملٍ برهانٍ متفق عليه من عشقٍ يسلم من الزخارف والأقنعة و اللا حقيقة … أن تشمّ يعني أن تتقن الفصولَ والغيابَ وتستشعر رائحةَ الطرقاتِ الفارغة من الحب والأحلام الحزينة على خطِ الأمل … أن تشمّ يعني أن تقودَك قدماك إليك في داخلك ..أن تعرف ماهيةَ الأشياء وتتحسسها  .

في الآونة الأخيرة قرأتُ كتاباً اسمه ” السحر ” وهو يحكي عن سحر الامتنان لكلّ شيء نملكه …لحواسنا وأعضاء جسدنا وأهلنا وكلّ شيء ويعلمنا الكتاب كيف يجب أن نشعر بالسّعادة العارمة فقط لأننا نستطيع الرؤية أو السمع أو المشي أو الشمّ..أو حتى التلويح بكفك لشخص عزيز امتهن الرحيل !! يقتبس الكاتب جملة أعجبتني كثيرا ” من الأفضل أن تفقد العدّ بينما تتذكر ما لديك من نِعَمْ بدلاً من فقدان النعم ” وتذكرت مقولة هيلين كيلر الصماء العمياء التي حصلت على دكتوراه وجوائز لا تعدّ ولا تحصى عندما سُئلت عن سبب سعادتها وهي في وضع يرثى له ..قالت: ” كنت دائما مشغولة بالتمتع بما عندي من نِعَم ولم انتبه أبدا للأشياء التي لا أملكها ” يا للهول … !! صماء عمياء ولا أعرف ماذا …ولم تنتبه …!! وأنا أرتعد من اللا رائحة وأستسلم للفراغ الذي احمله بلا عناوين وبلا قصائد بلا احترازات وبلا توجس… لقد تعلمت أن أدفن وجعي ولا استسلم له ..أن أخفيه كونه يشكلُ إعاقة محكمة لما تفاعل في ذاكرتي ولتفادى الوقوع في شرك الولوج في التيار المنظم للقطيع … أنا ذاكرة فارغة لكنني ممتلئة بلا رائحة ..أنا حواسي جميعها إلا الخوف … إلا الشمّ لكنني سعيدة بالرؤية وبالحب وبقدمين تسيران في دروب النجاح ..سعيدة بكلّ محب وكلّ أغنية أعجبتني وبكل كتاب سحرني وعاش معي يهدهد إرهاصات الضوء بداخلي ويعلنّ التغييرَ الذي يعكس ماهيةَ التطور اللوجستي لصيف استمراري وشتاء انصياعي للخير .. سعيدة بكل شخص أهداني لحظات من وقته ووجوده سعيدة بكل مقطوعة موسيقية أعجبتني وكلّ فلم حضرته مع أحد ما وتناقشنا وتشاجرنا على أفكاره وهدف المؤلف … سعيدة بهذا الكم الهائل من الوجع الذي نظفّ روحي أكثر وأعادها لطريق البحث عن ماهية اللون والأمل والحب .

عفاف الخليل

المزيد...
آخر الأخبار