ليس مثل حضورها حضور باذخ ،يهز القلب وينعش الروح ….!! وليس كمثل صوتها صوت يشدو ،فتزدهر الحقول ورداً وغلالاً ،ويتلألأ القمر …وتهتز أغصان الأشجار فرحاً ….!!
هي فيروز ..كلمة واحدة ،وكفى…
ففي أحدث دراسة علمية لطبيب لبناني مقيم في أمريكا ،اعتادت فيروز أن تلتقيه عندما يأتي إلى لبنان ،وهو الاختصاصي بالحنجرة والحبال الصوتية ،(إن فيروز لها حبال صوتية نادرة في تركيبها وعددها وقوة أدائها …)…
لسنا بحاجة بالتأكيد لمثل هذا التقرير الطبي العلمي ،لأننا نعرف أية ثروة فنية ووطنية وقومية هي فيروز .فبالإضافة إلى إبداعها الفني ،هناك قيم التزمتها وهي :الوطنية والقومية غنت للبنان ولكل الأقطار العربية في مناسبات عديدة .كلمات أغانيها الماتعة ،المضمخة بالحس الوطني وعشق مفردات الوطن ،والنخوة العربية في أغانيها هي إضافة هامة لفنها فالفن الذي لا يعيش للوطن ليس فناً أبداً .
ما كادت حرب تشرين التحريرية عام 1973 تنتهي إلا وكانت فيروز تطلق رائعتها “ياجبل الشيخ “.
كل اللواتي حاولن تقليد فيروز ،وأصواتهن قد تشبه صوتها ،لم يكملوا طريق الفن لأن فيروز نسيج وحدة ،وهذا ما يجعلها “عالمية “بل “إنسانية “
ففي دراسة قدمت لكلية آداب الجامعة اللبنانية بعنوان /النزعة الإنسانية في الأغنية الفيروزية /للباحث هاني حداد ،حصلت على درجة الامتياز لنيل الماجستير ،تؤكد الدراسة “إنسانية فيروز” ،أي عالميتها..في انكلترا يقولون إن “شيرلي ياسي “المطربة الانكليزية شبيهة فيروز.
وفي حفلات فيروز المتعددة خارج وطنها ،كان عدد الأجانب يفوق بكثير عدد العرب ليس لأنّ هؤلاء جميعهم يعرفون العربية ،بل أكثرهم لا يعرف اللغة العربية ،لكن دفء الصوت وجمال الأداء ،وتموجات النبرات الصوتية تجعل الأذن منجذبة له .
ثلاثة وثمانون عاماً …صار عمرها .لكن عمر المبدعين لا يقاس بالسنين ،بل بما يقدمون للإنسانية .
قبل خمسة وثلاثين سنة ،رأيتها من بعيد .في المقاعد الخلفية لمسرح بصرى ،استطعت الحصول على كرسي بعد جهد ..كانت فيروز في بصرى تنشد في مهرجانها الذي قالوا عنه “مهرجان فيروز “،المسرح لم يتسع للحضور الآتي من كل أنحاء سورية ومن لبنان والأردن .الشوارع حول المسرح وأسطح البيوت تحولت إلى كتل بشرية …جاءت لتسمع فيروز ….!!.
الحديث لا ينتهي عن فيروز …سيدة كل الأوقات .
الهرم الفني الذي لا مثيل له …فصوت فيروز ،لا يجود الزمان بمثله إلاّ بعد عقود ..وربما قرون ،كما يقول الراحل منصور الرحباني ….!!
*عيسى إسماعيل