العرفي: انتشار النقد المُغازل والعلاقات الشخصية يفسد للشعر قضية…

ما يميز التجربة النقدية للشاعر الناقد الدكتور وليد العرفي عن سواها هو تصديه شبه الدائم لتجارب شعرية حديثة، أصحابها لما ينتهي منجزهم الإبداعي بعد، وهذا ما نفتقده في الكثير من  الدراسات الأكاديمية التي تستكين لما تم إنجازه في تجارب اكتملت بوفاة أصحابها منذ عشرات السنين.

 أما خصوصية  تجربته الشعرية فتكمن في قدرته على إنتاج نص موزون ينتمي بحداثة صوره وتراكيبه إلى ما بعد الحداثة ،صقل ملكته الشعرية والنقدية بدراسة أكاديمية فهو حاصل على شهادة الدكتوراه في اللغة العربية باختصاص الدراسات اللغوية ويعمل أستاذا في جامعة البعث المعهد العالي للغات، عزز دراسته الأكاديمية بتطبيق عملي لتجارب شعرية معاصرة فوضع كتبا نقدية فيها ومنها كتاب ” أطياف موشور الرؤيا” قارب فيها التجربة الشعرية للدكتور محمد سعيد العتيق , وكتاب “مرآة الشعر ستائر المعنى ” , قارب فيها التقنيات الأسلوبية في الشعر السوري الحديث وخص معظمها لتجربة الشاعر الدكتور ثائر زين الدين, بالإضافة لكتاب “العتبات الشعرية وفضاءات النص ” قيد الطباعة.

أما في الشعر فله إصداران :”ويورق الحرف ياسمينا”و “رأيت خلفي جثتي”.

 ضيفنا اليوم حباه الله فروسية نبيلة في الشعر والنقد على حد سواء …التقيناه وعدنا بالحوار التالي:

* ورد في الصفحة التاسعة  من كتابك الصادر حديثاً عن وزارة الثقافة السورية “مرآة الشعر ستائر المعنى” أنك تعمل في سياق مشروع عام تجد في إتمام مراحله …حدثنا عن مشروعك هذا ؟

هو مشروع ينطلق من ضرورة مواكبة النقد للإبداع؛ فكل عمل لا يُتابع بالممارسة النقديَّة الجادَّة سيظلُّ قائماً على الاحتمال ، النقد عندما يكون ذا فاعليّة يُمكن أن يمنح النص أفقاً أبعد ، والنقد إنما غايته البناء على البناء ، وإعادة خلق الممكن .

*ورد في كتابك السابق أيضاً أن الإبداع لا يحلق إلا بجناحيه النقد والشعر ,كل منهما يمد الآخر بأسباب القوة .. .أنت تمتلك الجناحين  ما هو هاجسك الذي يجعلك مستمراً في التحليق شعرا ونقدا؟

 إنه هاجس الحياة ؛ فأن يعيش المرء يعني أن يكتب ، فالشعر ليس ترفاً فكرياً ، وكذلك النقد كلاهما رئة يتنفّس المبدع من خلالهما الشعر رئة الجمال ، والنقد رئة الحقيقة .

*عنوانات مثيرة للجدل تتصدى لها بكل بسالة, منها ظاهرة تسريد الشعر وتقنيات الصورة وغيرها الكثير مما يدحض فكرة أننا نعيش أزمة نقدية, برأيك هل نحن حقا في أزمة نقدية سببت الطوفان في  إصدارات بلا هوية ؟.أسباب الأزمة وسبل مواجهتها؟

هذه مشكلة التقنية التي تحمل سلاحها بوجهيه السلبي والإيجابي ربما لم نُحسن نحن العرب استخدام الجانب المضيء ،كما أسهمت دور النشر بوصفها ذات غايات ربحية في تلك الظاهرة ، ولكن يبقى ليس مهماً ما أنشر ، بمقدار الأثر الذي يتركه ذلك المنشور ، وصداه لدى الآخر .

*نصك النقدي يكون في كثير من الأحيان نصا إبداعيا موازياً للنص الأم ، وقد يتفوق عليه ما هو منهج العمل النقدي لديك؟

النقد إعادة خلق ، وهو الكشف عن جماليات مضمرة ، وربما خافية ، ومن هنا لا بدَّ من أن يكون الناقد على مستوى جمالي وفكري لاستخراج ما يمكن ، وكل نص له مفاتيحه .

*رغم كل ما يقال عن أزمة طباعة ورقية نرى العشرات من المجاميع الأدبية التي تصدرها المطابع على عجل بدليل حجم أخطاء النحو والإملاء عدا عن الأخطاء اللغوية والعروضية وغيرها مما يتعلق بالمعنى ,هل المشكلة في المؤلف أم في النقد أم دار النشر أم في لجان القراءة وإعطاء  موافقة الطباعة ..من يتحمل المسؤولية ؟

جميع من ذكرتهم شركاء في هذه المسألة فمن متعجّل النشر من الكتاب إلى دار نشر ربحية إلى غياب النقد الحقيقي ، وانتشار النقد المُغازل والعلاقات الشخصية ـ

*نقاد المقاهي مصطلح أطلق على  المتاجرين بأعمالهم النقدية برأيك أليس من حق الناقد أن يؤجر على عمله.. ألا يحتاج الناقد أسباب الحياة ؟

بالتأكيد ولكن يبقى المقام الأول لما هو أسمى ، المشكلة بقلب الأمور ووضع الحصان خلف العربة ــــــ للأسف ـــــ لدى بعض من يكتبون الانطباعات فيما يُسمّى نقداً  وصدقيني كل عمل مأجور قيمته بمقدار المال الذي دُفع لكتابته ، ولا يبقى إلا ما كتب عن قناعة ورضى شخصي .

*سلبيات النقد على صفحات التواصل توازي الايجابيات فنظرية “حكلي لحكلك” تلاحقنا بـ : “اللايك باللايك” و”التعليق بالتعليق “كيف تنظر لما يحدث عبر الفيس بوك؟

لا يوجد نقد بمفهوم النقد فالفيس للمشاركات الوجدانية ، ومعرفة الحالة الشخصية ، هي مجرد انطباعات ذاتية ، وتدخل في عمومها من باب المجاملة والصداقة .

*طغت مواقع التواصل الاجتماعي على سبل حياتنا؛ فالشهرة الأدبية تتحقق هناك في الشاشات الزرقاء ,ترى صفحة لشاعر شاب / تحصد المعجبين أكثر بمئات المرات التي تحصدها صفحات مخصصة لشاعر كبير ما تفسيرك؟

هي تتصل بمدى القاعدة الشعبية التي يسعى إليها ، كما أنَّ العالم اليوم بفضل التقنيات الجديدة أصبح أكثر قدرة على التواصل ، ولكن تبقى الطريقة والغاية هي الأساس في تلك الشعبية ؛ فهناك جماهيرية حقة ، وأخرى موجَّهة، وثالثة مصالح .

*صدرت العام الفائت عشرات الكتب النثرية التي كتب مؤلفوها على أغلفتها عبارة شعر, كيف تقرأ المشهد الشعري في حمص ؟

لا شك أنَّ حمص تأثرت كثيراً في ظل غياب كثيرين من مبدعيها ، وهذا يصب فيما ذكرناه سابقاً من أطراف الاستعجال ودور النشر ، وغياب الرقيب الذاتي أيضاً ؛ فالكتاب الذي يُطبع أصبح حقاً للمتلقي ، وهنا تكمن مسؤولية المبدع الحقيقي ، وكيف يُريد أن يراه الآخر .

* كل الجوائز الأدبية تترجم من خلال فائزيها مصالح الممول, ما تعليقك ؟

هي مجرد حالات عابرة وفقاعات تنتهي بلحظة وجودها للأسف ليست حقيقية .

*الحرب  غيرت البشر و الحجر ما تأثير دخانها على النقد والشعر؟

لا شك أن الحرب غيّرت كثيراً من نمط الحياة وكذلك الحجر ، وفي المقابل أوجدت أدباً ربما لم يكن ليوجد لولاه.

* لديك قصيدة نالت شهرة عربية واسعة تصف فيها بيتك الذي خسرته في الحرب ،هل ارتقى ” شعر الحرب” إن صح التعبير إلى مستوى  آلامنا  – نحن السوريين-  مكسر العصا منذ عشر عجاف؟    لا يُمكن الحكم على ما هو مستمر ، فالأدب لاحق للحدث ، ربما الشعر أكثر آنية من غيره في ذلك ، وربما لا بد من الانتظار للحكم على أدب هذه المرحلة .

*الحرب الاقتصادية توازيها حرب ثقافية ما دور النقد والشعر.

دوره دور الإنسان المؤمن بحركة التاريخ ، وسيرورة الأحداث ، وهو إيمان يقوم على يقين بأنَّ لا استمرار لحال مهما بدت أسباب بقائه قوية .

*تسريد الشعر وشعرنة النثر مصطلحات متداولة  توصف منتجات أدبية موجودة في السوق ..!

ما موقفك من قصيدة النثر لماذا لا تفرض لجان القراءة ومنح موافقات الطباعة كتابة كلمة نثر على الغلاف عوضا عن كلمة شعر حتى لا نقع في مطب التجنيس ؟

الأدب لا يصنعه الرقيب ، والأهم من ذلك أنَّ من يقوم بدور الرقيب ربما لا يمتلك تلك الذهنية ، ويبدو أن بريق لقب الشاعر يجعل كثيرين من كتاب النثر يصفون نثرهم بالشعر ، باعتقادي أنَّ الجمال يكمن في محافظة كل جنس على ماهيته .

*أي ناثر تحاججه في ضرورة الموسيقا لتمييز النثر من الشعر يعطك مثالا عن شعرية كاتب من وزن الماغوط الذي لم يكتب بيتا واحداً موزونا ولم يطلق على نفسه يوماً لقب شاعر أين يقف الناقد العرفي من هذا السجال؟

باختصار الكلمة الجميلة تفرض وجودها على النفس بغض النظر عن الزي الذي تظهر فيه ؛ فالجميل جميل بغض النظر عن توصيفه ، وقد قلت في هذا شعراً :

الشعرُ ليسَ بأشكالٍ تنزينهُ    يُرى الغرابُ إذا ما صوتُهُ نَعَقا

*الصورة الحداثوية هي وسيلة التغيير في النص الموزون هل هذا شرط كاف لقصيدة عصرية ؟

مسألة الحداثة ليست في الشكل ، ولا هي في الصورة الفانتازيا ، إنها ذهنية ، وحالة ثقافية عامة وخالقة .

*يقال يحتاج الشاعر لشيطان وبعضهم يهذب اللفظ ويسميه ملهما ,من هو شيطانك الشعري وملهمك النقدي؟

سأبدأ من حيث انتهى سؤالك؛ فموجّهي النقدي هو النص الذي أكتب عنه ، أما في الشعر فالحالة الوجدانية هي محرّك الحرف الأول وبوصلتي فيه العاطفة .

*كثر الشعراء وعز الشعر ما السبب ؟هل  غياب الرؤية عن القصيدة يجعلها خاوية على عروشها حتى لو كانت إيقاعية أو نثرية تزحمها الصور ؟

مواقع التواصل جعلت الكثيرين شعراء.. لو نشرت نصا بلا صورة لحصل على إعجابات خجولة العدد ولو أرفقت الصورة ازداد عدد التعليقات التي تقول: نورت ..هل ترى مواقع التواصل سلاحا ذا حدين يحقق شهرة للشاعر أو الناثر، لكنه أيضا يعوم الصورة على حساب الكلمة؟

نعم هي كما أسلفت تخضع للشخصنة وعلى سبيل الدعابة ربما أكثر من يعلقون ويضعون الإعجابات لا يطلعون على المضمون .

*بماذا تختم حوارنا ؟

كل الشكر والتقدير لأسئلتك الجميلة الراقية المعبرة عن ذائقة شاعرية ورؤيا نقدية لافتة .

حوار :ميمونة العلي

المزيد...
آخر الأخبار