الخيال الجامح بين العلم والأدب في “كتاب حمص”…

ألقى  الشاعر محمود نقشو محاضرة بعنوان الخيال الجامح بين العلم والأدب في فرع اتحاد الكتاب العرب بحضور جمهور من الأدباء والمهتمين ومتابعي الأنشطة الثقافية .

و أشار المحاضر في البداية إلى أن التخيّل من العمليّات والقدرات المعرفيّة الراقية ، والتي ينفرد بها الإنسان عن سائر الكائنات الأخرى .. حيث يستمدّ من هذه القدرة قوّته وأحلامه وأهدافه  فمن التخيّل والإبداع صنع الإنسان كلّ مبتكراته وإنجازاته , فهو القدرة على تصوّر الأشياء والأدوات تصوّراً مرئيّاً في المخيّلة ، وبين أن عمليّة التخيّل تمثّل قدرة الإنسان على رؤية وتشكيل الصور والرموز العقليّة للموضوعات والأشياء ، وهو عمليّة عقليّة لاسترجاع صور حسيّة مختلفة ، وأحداث من الحياة الماضية ، وتضمينها ، وتشكيلها لصور ورسوم وأحداث جديدة .  

وعرّف الخيال بأنّه القدرة العقليّة على التجريب واستكشاف الجديد ، وعلى البناء والتشكيل والمحاكاة والربط باستخدام صور ذهنيّة تحاكي الطبيعة ، وإن لم تعبّر عن شيء موجود في الواقع . وتحدث عن الثقافة العلميّة، وبالتالي تصبح الثقافة التي تهمل (الثقافة العلميّة) ثقافة لا لون لها ولا طعم ولا رائحة ، لأنّها فقدت فاعليّتها الاجتماعيّة, ورأى أن (الثقافة العلميّة) ليست فقط (ثقافةَ معلومات) ، ولكنها أيضاً ثقافة تفكير ، ومنهج عمل ، وتفاعل حياتيّ ، وممارسة سلوكيّة  ، وأضاف : إنّ الأوجه الثقافيّة للعلم متوائمة بحميميّة مع الفكر الإنسانيّ ، وقد تكون على المدى الطويل الأكثر أهميّة. 

وتحدث عن قصّة تقنيّة (النانو).. التي بدأت بالخيال العلميّ عبر الرحلة التخيّلية التي قام بها أحد أبرز ثلاثة في علم الفيزياء قبل أكثر من مائة وخمسين عاماً ، وأوضح أن مصطلح تقنيّة النانو برز لأوّل مرة عام 1974 ، من قبل الباحث اليابانيّ نوريو تانيغوشي، والتي وصفها بأنّها : (عبارة عن مجموعة من عمليّات الفصل والتكوين والدمج للمواد على مستوى الذرّات أو الجزيئات ؛ بغية إنتاج وسائل وطرق وتصنيع وعمليات تشغيل عناصر ميكانيكيّة وكهربائيّة متناهية الصغر) حيث تفوّق العلم على الخيال في قضية الأبعاد والأرقام ، فالأرقام نفسها التي نتعامل معها في العلم اليوم تفوق أيّ خيال ، فـ (النانومتر) هو بعد لا يمكن تخيّله ، والـ (فيمتوثانية) التي كان قياسها في التفاعلات الكيميائيّة من نصيب (أحمد زويل) لا يمكن أن تخطر على بال . وهناك على الطرف الآخر ما يسمّى بـ الأبعاد الفلكيّة التي نتعامل فيها مع المجرّات والكواكب والنجوم ، وتنقل لنا معلومات تحدث على مسافة ملايين السنوات الضوئيّة.

  وتوصل المحاضر إلى أن الخيال العلمي ساهم وما زال – في استشراف آفاق الحاضر والمستقبل ، فالكثير من الاكتشافات والإنجازات العلميّة والتكنولوجيّة التي تحقّقت خلال النصف الثاني من القرن العشرين ، سبق التنبّؤ بها في أعمال الخيال العلميّ منذ أواخر القرن التاسع عشر ، كأشعة الليزر ، والذكاء الصناعيّ ، وصناعة الروبوت ، وصناعة القنبلة الذريّة ، وبطاقات الائتمان ، وغزو الفضاء ، وزراعة الأعضاء البشريّة ، وأطفال الأنابيب ، والهندسة الوراثيّة ، والعلاج الجينيّ ، والاستنساخ ، والنانوتكنولوجي (التقنيات المتناهية في الصغر) ، وغيرها . وهناك أبحاث جارية حاليّاً في الدول المتقدّمة حول رؤى المستقبل لاحتمالات واتّجاهات العلم والخيال العلميّ في الكثير من المجالات ، مثل الحديث عن شكل الأشياء في المستقبل ، كالملابس والمنازل ، وشكل وسائل النقل والمواصلات ، والأجهزة والآلات الذكيّة ، كالكومبيوتر والإنترنت والهواتف المحمولة ، وأيضا الحديث عن الآفاق الواعدة لثورة النانوتكنولوجي ؛ وكذلك رؤى الخيال العلميّ للطبّ والعلاج ، ورؤى المستقبل في مجال الفضاء .  

ولفت المحاضر أن  الدراسات الحديثة بيّنت الدور المهمّ للخيال العلميّ في تدريس العلوم .. حيث توصّلت إلى أنّ قراءة وتدريس قصص وأفلام الخيال العلميّ ، تعدّان ضرورة تربويّة مستقبليّة ؛ فهي تمكّن الطلاب من إدراك واستيعاب المفاهيم والحقائق العلميّة ، كما تشكّل أهميّة خاصّة وضرورة مهمّة من ضرورات تنمية التفكير العلميّ ومهارات التفكير الإبداعيّ ،  فالخيال العلميّ يثير خيال الطلبة ، وخاصّة الموهوبين منهم ، ويشجّعهم على التفكير في الممكن  ، كما أنّ استخدام الخيال العلميّ لفكرة (ماذا يحدث لو..؟) يساعد على جذب اهتمام الطلبة للمقرّرات الدراسيّة ، ويثري المناقشات العلميّة ، وينمّي قدرات التفكير العلميّ الابتكاريّ ، والتنبّؤ بما سيكون عليه المستقبل ، والاستعداد لمواجهته .

عبد الحكيم مرزوق

المزيد...
آخر الأخبار