يتعرّج مجرى النهر مجتهدا ً من عطافات دفّاقا ٌ ، وهو يحتفي بسفوح مكسوّة بباسقات شجر ، هي حاضنات الجبال الرطبة ، وعلى جانب آخر يطمئن سرحاً باستقامة سهول ممراحة ٍ ومروج ٍ فيّاضة ٍ بعبق كلّ نفح ومصاطب ناهضة ٍ بكل زرع ليستكين الهوينى إلى بطن وادٍ في مرامي السفر البعيد .. تمشي على متّسع خطوات ، وعيناك على ضفتيه ، وأنت ترقب كتائب الماء المثابرة جريانا ً لكأنها تحمل بعض أحلام ٍ لديك في مراكب يزفّها خرير الماء . لكنّك سرعان ما يأخذك الانتباه إلى ثنائية ثبات في دلالة مكانٍ ضفة ً ، و جريان ماء حراكا ً ، فيدانيك وقع ثنائية الثابت والمتحول فيروح إلى خاطرك عبر “ التداعي الحر” ألف شرودٍ وسؤال ٍ يزدحم على شفة سؤال ، وتمرُّ بك فِكَرٌ وتدانيك أفكار ما بين إرهاصات بدايات ومقاربات نهايات فلا المكان يتعب ثباتا ً ، ولا الماء يتعب جريانا ً . لكن يستريح إلى هدوةٍ في انسياب وخيرٍ في مصابٍّ ومشاريع في تنمية ٍ وإذكاء موارد ..هي جدلية التكامل والتلاقي ما بين منبع ٍ ومصبّ وحقلٍ ببيدر وثابت ٍ بمتحول وزمان ٍ بمكان وفق سريان أنفاس الرؤى في مهاد الوجود .
هكذا يلتفت بنا التأمل إرهاصاتٍ ، وهكذا يوقد الإدراك فينا فطنة تعاقب الأشياء في نهاياتها سعادة وعي في مطارح كل تفكير وتجاوز كل صخب في زحام قناعات أو ترهل في مزاج أو تصالح مع طموح أو كتم أنين في مواجع جسد وعذابات نفس ولعل الأبلغ كامن في إيجاز حكمة مكثفة لضيف عابر مدَّ خطواته على دروب الحياة راغبا ً فيها لأن تكون فجاجا ً واسعة ً وقد أعياه الأمل وإذ بها في كثير مسالك وعرة تعترضها ظروف وعلاقات وتعثر حظٍّ وتثاقل نباهة في إدراك قيمة ليد خضراءَ تكافئ حالُ ذلك حالَ تلك الخطوات على ضفة لسير قصير في مكان قياسا ً بمدى امتداد مجرى النهر في ارتعاشات الحقول ودفء الوديان ونفحات التلول في مرايا صقيل الماء الناجز خيرا ً في حيثيات كل وجدان .
هي النهايات رزانة الوعي في مصداقية الثابت و حيوية المتحول ضمن سردية تتالي الأيام في سريانها سنينا ً وأعواما ً سيلا ً جارفاً تؤكد محطات في نهايات في وعينا الجزئي وهي الماضية أبدا ً في وعينا الكلي إذ « أي امرئ يقوى على الدهر زنده » .
هكذا مشرعية قدرات الإنسان الكامنة مدى لا حدود له عبقريات ولكن لا بد من بعض استجابات لقدرات ولذلك كان القدماء وهم يشيّدون أعمدةً كثيرا ً ما كانوا يتصالحون مع قدراتهم في اتساقها علوّا ً أن يزركشوها بتيجان وزخارف تعبيرا ً عن وصولهم إلى حد لا يمتلكون أكثر منها … إنه سفر المتاعب على سطور مهارات وقدرات في مدونة الجهد البشري .
هي النهايات قناعات ترسم مرتكزات معرفية لقادمات من رؤى تنشد عوالم من إنجاز يتلوه آخر ومشاريع تفيض بركة في رحاب كل عطاء وعرائش تُثرى بثريات من عناقيد مبسمها إطلالة فجر وتحية أصيل ومناغاة شفق وهي الذكريات المتجذرة والمشبعة بفيض أنداء الغمام سقيا فرح في لقيا ولقاء وجمال مواعيد هي قناديل على شرفات كل جمال يقارب نصاعة ياسمين وأوراد في مساكب كل بهاء .
هي النهايات كرم كل اغتباط يجمع النجاحات قلائد على جيد أصحابها وهي أكثر بريقا ً عندما تغدو صلة رحم بين مرسل ٍ ومتلقٍ عبر شهامة ثنائية النجاح والتقدير في معنى كل إنتاج وبراعة كل إبداع .
إن أجمل النهايات هي تلك التي تبلسم قناعات في معمارية كل نباهة ، وتؤسس بصفاء إلى إشراقات بداية .
نزار بدور