مما لاشك فيه أن التنشئة الاجتماعية عملية معقدة وطويلة وبطيئة، تسعى من خلالها الأسر في مرحلة أولى وبشكل أساسي إلى إشباع حاجات الطفل الغريزية، وتجهد بعد ذلك إلى تحويله من كائن بيولوجي إلى شخص اجتماعي مندمج مع محيطه الاجتماعي.
فالتربية، كما يقول إميل دوركايم : ” جهود متواصلة يكتسب الطفل من خلالها ألوانا من الفكر والعاطفة والسلوك التي لا يمكنه الوصول إليها لو ترك لوحده ” .
فالأسرة ترغمه منذ نعومة أظفاره على اكتساب مهارات وعادات الطعام والشراب والنظام والنظافة والنوم ومراعاة حقوق الغير، واحترام التقاليد والعادات…
وتختلف أنماط واتجاهات الوالدين في تربية وتنشئة أطفالهم من أسرة إلى أخرى، ومن بيئة إلى أخرى… لكنها على العموم أنماط تُحصر في ثلاثة أنواع :
النمط المتسلط حيث يسعى الآباء والأمهات في هذا النمط للحصول على الطاعة العمياء للأبناء، دون أدنى مناقشة، باعتقادهم أن الطاعة هي أهم سلوك يجب أن يتعلمه أطفالهم. وغالبا ما يستعمل هذا النوع من الأسر طريقة العقاب الجسدي، وهي طريقة لن تكون نتيجتها سوى الخوف والتمرد، عكس ما هو متوقع من اعتماد هذا النمط.
النمط المتساهل أو الفوضوي، حيث تسود الفوضى والعشوائية، لا إرشادات، لا توجيهات… ويعتقد من يتبع هذا النمط أن على الأطفال معرفة الخطأ من الصواب واتخاذ قراراتهم بأنفسهم دون أدنى توجيه من الأسرة، يعتقدون كذلك أن الأطفال سيشعرون بالانزعاج عند نصحهم وتقديم التوجيه والإرشاد لهم ، في حين أنهم يشعرون بالضياع بدون تدخل الأسرة، ناهيك عن الاضطرابات التي قد تحدث لهم لاحقا لأنهم لم يعتادوا التوجيه والانضباط.
النمط الديمقراطي وهو الحل الوسط بين النمطين السابقين: نُظم وقوانين، لكن أيضا مساحة من الحرية، ويبقى العمود الفقري لهذا النمط هو الحوار والمناقشة، فمن المستحسن، بل ومن الضروري أن نشرح للأطفال أهمية القوانين والقواعد وسبب اعتمادها، بل وإشراكهم في وضعها وتنفيذها (الاعتماد على النفس وضبط الذات) .
و التنشئة الاجتماعية ليست عفوية بطريقة عشوائية ، إنما هي تربية مقصودة ومعيارية، تساعد الفرد على فهم ثقافة مجتمعه وتقبلها والانخراط فيها، لضمان استمرارية التركيب الاجتماعي. وللأسرة دور هام في هذه العملية التربوية الاجتماعية، حيث تتمثل الوظيفة التربوية للأسرة في ناحيتين أساسيتين، هما:الإطار الثقافي والأداة الرئيسية لنقل الثقافة إلى الطفل, ووسيلة لاختيار ما هو أساسي وهام من البيئة الثقافية، ثم بتفسيره وتقويمه وإصدار الأحكام عليه،و بمعنى آخر، الطفل ينظر إلى ثقافة مجتمعه من وجهة نظر أسرته.
منار الناعمة