فرحة المزارع بهطول الأمطار الغزيرة , لم تطل , بل تبعتها موجة عارمة من القلق , سببته تلك العاصفة المطرية التي لطمت وجهه , جعلته يغني مع فيروز أغنيتها الشهيرة « تعى ولا تجي» .
فعلى الرغم من دعواته الدائمة بقدوم مطر الشتاء الخير والذي يغذي المياه الجوفية , ويملا السدود الفارغة ويبشر بموسم صيفي جيد .. إلا أن العاصفة فتكت بأرضه والتي باتت كمن يقف على جزيرة عائمة متحركة وسط بحر هائج لتبدو مع المنازل الواطئة وكأنها من الأوابد فامتلأت بالتراب الموحل كما انجرفت ركام القمامة والقاذورات المتواجدة في الأنهار القريبة والبرك العائمة الى الأراضي المزروعة بالخضار فمزقتها وطمرتها لتتساقط ثمار الأشجار والخضروات وتستقر في باطن الأرض فاختلط كل شيء بكل شيء…ولم يجد الفلاح أمامه إلا التحسر على ما فات , إذ فقد مصدر رزقه الوحيد خاصة أنه لا يمتلك أية وظيفة تنقذه وتكون سنداً له في حال تضرر محصوله .. لذلك فالتغير المناخي يسبب له أرقاً دائماً يجعله يلاحق رزقه الذي يبدو اليوم وكأنه هارب منه يشيعه في كل موسم في حزن مهيب .. ولأنه مازال يؤمن أن اليأس يعني الموت , فهو لم يتوان ولم يتوقف , فعلى الرغم من أن الصقيع قد داهم أشجاره المثمرة في السنوات الماضية وجعلته يقتلع الكثير منها لكنه بدأ بغرس أشجار جديدة لتعود الخضرة تعطي لأرضه بهجة وألقاً .. والسؤال المعلق هو : من يضع حداً لتلك الخسائر المتكررة بدءاً من ثمار التفاح الذي نخره البرد العام الفائت فلم يجد له في السوق تصريفاً فبقي متراكماً في أرضه , ليصل الى ثمار الزيتون والذي نخرته ذبابة الزيتون فأنتج زيتاً غير صالح للاستهلاك البشري وانتهاء اليوم بالخضروات الشتوية التي أتت على معظمها الريح الشتوية المحملة بالأمطار الغزيرة يدفع خلالها الفلاح فاتورة باهظة من أعصابه عبر تعاقب متغيرات الجو , والظروف الضاغطة , لينام على كارثة موجعة ويستيقظ على كارثة أصعب وأوجع .. هي ملاحظات برسم الجهات المعنية والتي بدورها يعنيها تطور الإنتاج الزراعي ونموه بشكل صحيح .
ترى هل يجد الفلاح لديها أجوبة كافية شافية حتى لا يشعر أن ينابيع إنتاجه قد جفت, دون أن يجد عوناً في ترميم ما انهدم في مسيرة حياته الصعبة الظامئة دائماً للحلول السريعة ؟!
عفاف حلاس