لعلكم تتذكرون – سيزيف الإغريقي – الذي قدر عليه أن يدفع صخرة ربط إليها من أسفل الوادي إلى قمة الجبل ، وكلما كاد أن يصل بها إلى قمة الجبل أفلتت منه وتدحرجت به إلى حيث كانت في أسفل الوادي ليعاود الدفع باتجاه الأعلى وهكذا تستمر المعاناة المريرة بين دفع في الصعود ودحرجة في الهبوط وتبقى القمة هي الهدف.
ولعلكم تتذكرون أن الشاعر العربي العراقي : بدر شاكر السياب – طيب الله ثراه – قد وظّف هذه الأسطورة في قصيدته – المخبر – :
وعند بابي يصرخ المخبرون
وعر هو المرقى إلى الجلجلة
والصخر يا سيزيف ما أثقله !!-
واليوم يبرز – سيزيف السوري – أقوى وأعتى من سيزيف الإغريقي ، بل أكثر وعياً لقضيته ، وأصلب عوداً في النهوض بها . إنه – ومنذ بدء العدوان على وطنه – يدفع الصخرة باتجاه القمة وقد ركز عليها علم بلاده ، وهو يدرك كل الإدراك أن الطريق إلى الجلجلة أكثر وعورة من أي طريق صاعد ، وأن الصخرة أثقل من كل الصخور ، وعلى الرغم من كل ذلك فهو أكثر تصميماً من – سيزيف الإغريقي – على إيصال الصخرة التي ركز عليها العلم الوطني إلى كل قمة زحزحت عنها من قبل : الضباع والذئاب والأفاعي والسحالي بل والديناصورات ، وأنتم تذكرون أنه أوصلها إلى قمة جبل الحرمون فها هي في الزبداني وبلودان ، وقد أوصلها إلى قمة تل الحارة ، وقمة جبل البلعاس وها هو يدفعها إلى قمة جبل الأربعين في إدلب وقمة جبل الأقرع في اللاذقية وإلى كل القمم على مساحة الجغرافيا السورية ، وأنا أراه بعين المستقبل والرضا سيدفعها إلى قمة : تل – أبو الندى – وتل عرّام في الجولان ولكن لي عتب رقيق – ولكنه مرّ- على كل أحبائي الذين أنشدوا وما زالوا ، وفعلوا :
وطني ليس حقيبة
وأنا لست مسافر
فأنا العاشق والأرض الحبيبة
أقول لأحبائي هؤلاء لا تشغلوا – سيزيف السوري – الذي يدفع الصخرة المزينة بالعلم الوطني ، لا تشغلوه بدفع أشياء أخرى يومية لكنها ضرورية وملحة ، لا تشغلوه بدحرجة جرّة الغاز المنزلي من مركز إلى مركز ومن طابور إلى طابور ، لا تشغلوه بملاحقة عبوة المازوت من مكان إلى مكان في برد الشتاء القارس ، لا تشغلوه بالصعود والهبوط على أدراج المؤسسات وبنغمة : عد غداً أو بعد غد أو في الأسبوع القادم لأن الموظف الذي سيوقع الوثيقة المطلوبة غير موجود لأنه يحاضر في معهد العلوم الإدارية عن الآثار السلبية للروتين والبيروقراطية على المواطن والمجتمع ، لا تشغلوه بترهات الفساد فإن صخرته مقدسة مخضبة بدمائه ، محناة بعرقه وتعبه ، وسيوصلها إلى القمة الشمّاء شاء العدوان والفساد أم أبيا وسيرفرف العلم الوطني على كل قمة لأنه – سيزيف السوري – من يحمله .!!
د. غسان لافي طعمة