الصداقة في زمن وسائل التواصل التقني

 الكثير من الأبحاث حددت الصفات الأساسية للصداقة الحقيقية والصحيحة ، ولكنها تناولت الصداقة وجهاً لوجه ، أي الواقعية ، ولم يعرف الكثير عن الصداقات والعلاقات في المساحات الرقمية ,فالعديد من السلوكيات الرقمية تخدم الغرض نفسه وتشمل الصفات الأساسية نفسها مثل الصداقات وجهاً لوجه وحاول الباحثون إيجاد أوجه الشبه بين نوعي الصداقة ، الرقمي والواقعي وارتكزوا على عدة مفاتيح للمقارنة منها : التعبير عن الذات ، الرفقة ، مناقشة الخلافات وحلها ، الدعم المعنوي ، المصداقية .

 كشفت النتائج جانبين ، أحدهما تمثل في الأثر الإيجابي للصداقات الرقمية وهي أنها تفسح المجال الأكبر والأطول للحديث  في الصباح والمساء دون إزعاج الطرف الآخر ، وأيضاً إقامة المزيد من الوقت للتحكم في العواطف والوصول لمنطقة الهدوء قبل صياغة أو إرسال رد مزعج .

أما الجانب السلبي فيتمثل في إمكانية تضرر الصداقات من خلال الشائعات والقيل  والقال التي تنتشر بشكل أسرع وأبعد عبر الفضاء الالكتروني .

الصداقة المبنية على التواصل الرقمي قد تبدو مربكة  بسبب ديمومة المعلومات والسرعة التي تنتقل بها ، ولكن في جوهرها يبدو أن الصداقات  بنوعيها لها الخصائص الرئيسية نفسها ويتشابهان في الغرض من وجودهما.

ولكن هذا التواصل الرقمي يجبرنا على إعادة التفكير وإعادة تصور طبيعة العلاقة الشخصية وقضايا أوسع من الصداقة ، حيث يبدو أن الروابط الشخصية تتطور أو تستمر ضمن حدود افتراضية جديدة ولم تعد تنشأ فقط في البيئات المحلية والعائلية أو تقع حصراً في حدود المجتمع المكاني . التغيير  الرئيسي هو الانتقال لبيئة متعددة الوسائط التي أدت لظهور تقنيات جديدة لربط الناس وترتب عليها تغييرات رئيسية في القواعد والأعراف غير الرسمية التي تحكم التواصل ومن ثم الصداقة .

 يؤكد الكثير من الأشخاص صغاراً كانوا أم كباراً أن الصداقة أصبحت أكثر أهمية من الأسرة والأقارب في العصر الحديث ولكن الأسرة والأصدقاء يتقاربان من حيث المعاني والتوقعات والسلوك ومن الملفت أن التواصل المعاصر أتاح المجال ” للاختيار” أي أنها علاقة غير مفروضة على الفرد بل هو يحدد اختياره فيلجأ عادة لاختيار  صداقة وتواصل مثالي يضمن  اختيار مساحة لبناء القصص الخاصة عن الذات من خلال روابط  مرنة، في الوقت نفسه تجلب التقنيات الجديدة  أعباء جديدة في طريقها  حيث    انه في مثل هذه العلاقات قد لا يكفي التبرير عن سبب  عدم انتظام التواصل أو التفاعل بل قد يقرأ  أيضا ً على أنه دليل على نقص الاهتمام والتقدير للصداقة.

 يؤدي استخدام  الأشخاص لمواقع التواصل الاجتماعي  إلى إنشاء ملف تعريف شخصي يكون مرئيا ً باستمرار لأولئك المدرجين كونهم أصدقاء, وهذه الملفات  هي أماكن رئيسية لتمثيل الصداقة وهناك مجموعة متنوعة من الطرق للإشارة إلى شدة العلاقة المعنية من خلال التفاعلات النصية والمرئية .

 وفي الغالب هذه العلاقات التي يغيب عنها التماسك الشديد وتتبع سلسلة  حديثة من القواعد ” المعاصرة” التي تحكم على متانة الصداقة من عدمها حسب التفاعلات وأشياء أخرى، تصل  بسرعة شديدة للهشاشة فالأصدقاء الرقميون حساسون  جدا ً  تجاه التفاعلات ، غياب زر الإعجاب هو تنبيه بأن هناك أمر ما ، بل هو نهاية العلاقة بصمت ونفترض تلقائياً أن غياب التفاعل يعني  نهاية الصداقة أو العلاقة، الأمر الآخر الذي يلعب على وتر الحساسية  تجاه الصداقة الرقمية  أن وسائل  التواصل  تظهر  ما إذا كان الشخص متصلا ً أو لا , مما يجعل  بعض الأصدقاء  يشعرون  بالإهمال وعدم التقدير  لعدم إعطائهم  أولوية الرد على رسائلهم .

 وبالمقابل  إن الانترنت يقدم لنا وهم الصداقة دون متطلبات  الرفقة  وهذا يرضي النفعية اللحظية للحياة الحديثة  العصرية من حيث    أننا نحظى باهتمام فوري ونسمع  في جميع الأوقات، نظراً لانتشار الشبكية في جميع المناطق الزمنية ، لكن  هذا لا يعني أننا لسنا وحيدين، فمعظم الصداقات الرقمية تبقى في الفضاء الرقمي وقلة قليلة فقط تلتقي بصديق عبر الانترنيت شخصيا ً .

منار الناعمة

المزيد...
آخر الأخبار
جراء العدوان الإسرائيلي على المعابر الحدودية… أضرار كبيرة تلحق بمعبر الدبوسية الحدودي وجسر قمار بريف... الصرف الصحي في الفحيلة وتل زبيدة ينذر بتلوث بيئي... عبد النور :نطالب بتوسيع المخطط التنظيمي ... كلية العلوم الصحية بجامعة البعث تكرم 260 طالباً وطالبة من خريجيها الرئيس الأسد يصدر قانوناً بإحداث جامعة “اللاهوت المسيحي والدراسات الدينية والفلسفية” موضوع “تدقيق العقود والتصديق عليها” بين أخذ ورد في مجلس الوزراء.. الدكتور الجلالي: معالجة جذر إشكالي... البدء بأعمال إعادة تأهيل الطريق الدولي بين معبر جديدة يابوس والحدود اللبنانية قانون يُجيز تعيين الخريجين الجامعيين الأوائل في وزارة التربية (مدرسين أو معلمي صف) دون مسابقة عدد العروبة 15638 'pdf"ليوم الأربعاء 27-11-2024 مرسوم بتحديد الـ 21 من كانون الأول القادم موعداً لإجراء انتخابات تشريعية لمقعد شاغر في دائرة دمشق بعلامة ٩٣ وبتقدير امتياز...منح الطالب يوسف غازي كاجان درجة الدكتوراه في الرياضيات