قالها بحرقة وهو ينفث دخان سيجارته ، تصور يا رجل ماذا حدث معي البارحة ، قلت : خير إن شاء الله حدثني ، قال : شكت والدتي من آلام في الركبة ، فاتصلت بطبيب لهذا الاختصاص ، ووعدني بالحضور بعد غياب الشمس بساعتين ، فاتفقنا أن أحضره عندما يتصل بي ، وفي الوقت والمكان الذي حددهما استأجرت سيارة وأحضرته ، فدخل البيت وعاين الوالدة وسألها بعض الأسئلة المتعلقة بمرضها ، ودون استخدام أية أدوات للفحص ، ودام ذلك العمل مع كتابة الوصفة الطبية وشربي وإياه فنجان قهوة حوالي ربع ساعة ، وهمّ بالوقوف للمغادرة ، فقمت لتوصيله وقبل خروجه من البيت سألته: كم تريد دكتور أجراً للمعاينة ؟ قال : ثلاثة آلاف وخمسمئة ليرة سورية ،بلعت ريقي عند سماع الرقم مع غصة وبصمت، ومددت يدي إلى جيبي وناولته المبلغ المطلوب دون كلام وأنا متألم ، فأوصلته إلى بيته وعدت أتساءل وأسأل نفسي ، لماذا كل هذا الرقم مقابل مثل هذا العمل البسيط ؟ ولكنني لم أجد لتساؤلي جواباً ، فقاطعته كي أخفف عنه وقلت له: اسمع هذه الحكاية التي حدثت لي مع طبيب قلبية ، فقد تعرضت لوعكة صحية منذ أشهر لها علاقة بالضغط ونبضات القلب ، فدخلت إحدى المراكز الصحية الحكومية بحالة شبه إسعافية ، فأدخلوني العناية المركزة لمدة اثنتي عشرة ساعة دون أن يكون في المركز طبيب قلبية مناوب فيه تلك الليلة ، فقام بمراقبة حالتي أطباء مقيمون مع طاقم من الممرضين ، وأُجريت لي التحاليل الطبية والصور المطلوبة والتخطيطات التي لها علاقة بالحالة ، وتماثلت للشفاء وزالت الحالة الطارئة التي كنت أشكو منها ، وكي أطمئن أكثر ذهبت في اليوم التالي إلى طبيب قلبية على معرفة به وصداقة ، وبعد قيامه بفحصي طمأنني أن الوضع مستقر ضغطاً ونبضاً ، واحتياطاً كتب لي وصفة طبية خفيفة ، وكي أعطيه أجره بطريقة غير مباشرة ، قلت له : هل أنت متعاقد مع شركة الضمان الصحي الفلانية ؟ ــ إذ يوجد لدي بطاقة ضمان صحي من هذه الشركة ــ وقلت له هذا كي يسجلها لديه ويأخذ أجره من الشركة ، لكنه أجاب : لا لست متعاقداً معها ، لكنه استدرك قائلاً وقد لمعت عيناه بسرور لم يكن فيهما قبل دقيقة إذ كان وجهه مكفهراً : ما رأيك أن نجري لك قثطرة قلبية وما يستتبعها وقد تكون محتاجاً لتركيب شبكة قلبية ؟ فالقثطرة تُظهر لنا حالتك تماماً وعلى ضوئها نتصرف ، صمتُّ وأومأت له لا مانع وأنا متردد ، فتناول قلماً وورقة وأعطاني إحالة إلى مشفى هو متعاقد معه لإجراء مثل هذه الحالات لمرضاه ، وقال : خذها إلى المشفى ليجروا اتصالاً بالشركة لأخذ موافقتها على هذا ، وغمز وقال إنك لن تخسر شيئاً من جيبك ، فكل ما سنقوم به سيكون على حساب الشركة ، فغادرته شاكراً لكنني غير مقتنع بما اقترح ، وفي اليوم التالي ذهبت لطبيب قلبية آخر يتصف بالمصداقية والإنسانية ، وبعد المعاينة والفحص على جهاز القلب قال لي : إن وضعك الصحي جيد ولا تحتاج لدواء ، وبعد أن رويت لجليسي حكايتي ربطت بين حكايتي وحكايته فثبت لي بالدليل القاطع أن الطب عند البعض ليس مهنة إنسانية ، بل أصبح للأسف مهنة تجارية ذات ربح فاحش ، لكنها أسوأ التجارات لأنها تجارة بصحة البشر .
صالح سلمان